أدمغة المراهقين تتحول من التركيز على صوت الأم إلى أصوات أقرانهم (بيكسلز)
تعتبر المراهقة من أصعب المراحل التي يمر بها الإنسان سواء من الجانب النفسي أو الجسدي، فهي -كما يوحي اسمها – ترهق المراهق نفسه وترهق من حوله (عائلته). بهذه المرحلة، يمر المراهق بصراع داخلي ما بين أنه يريد التحرر والانفصال عن سلطة والديه، وبين أنه ما زال بحاجتهم، لأنه يعتبر نفسه أصبح كبيرا، مما ينجم عنه تبدل في سلوكياته.
وبهذه المرحلة، تتساءل العديد من الأمهات: لماذا لا يصغي أبنائي إلي؟ حول ذلك حاورت الجزيرة نت اختصاصيين للإفادة بآرائهم، وكذلك نقلت دراسة حديثة تقول "أدمغة المراهقين تحجب صوت الأم".
الدكتورة أسماء طوقان: المراهق إن واجهته مشكلة يفضل مناقشتها مع أصدقائه
المراهق والاستقلال الذاتي
تقول الأخصائية النفسية للأطفال الدكتورة أسماء طوقان "يصاحب مرحلة المراهقة العديد من التغيرات البيولوجية الرئيسية، مثل الطول والوزن وكتلة العضلات والأعضاء التناسلية وتغيرات في الصوت وتغير في بنية الدماغ وتفكيره، فهي تعد الحد الفاصل بين مرحلة الطفولة والاعتماد على الغير والاستقلال والاعتماد على النفس".
وتقول طوقان إن الوالدين "ما زالوا يرون الابن صغيرا رغم التغيرات التي يمر بها، في حين يبدأ المراهق في هذه المرحلة اكتشاف نفسه ورسم شخصيته وتحديد توجهاته، ويبدأ أيضا بالبحث عن نقاط القوة لديه ونقاط الضعف، ويبدأ بمقارنة نفسه أيضا بأقرانه، من ناحية اختلاف شخصياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية وتطور نموهم الجسدي".
وتكمل "معظم الخلافات بين الأبناء والآباء، في مرحلة المراهقة، بسبب الميل من التحرر من القوانين والقيود في الأسرة والاستقلال الذاتي، فيبدأ المراهق في اختيار أصدقائه بنفسه، دون موافقة الأهل أو مشورتهم كما يُلاحظ عدم الالتزام بالمواعيد التي يحددونها له، ويختار ملابسه بنفسه دون أخد رأيهم، لأنه يريد أن يفرض شخصيته عليهم ويحقق الاستقلال الذاتي لديه بهذه الطريقة. وقد يلجأ إلى القوة والعصبية لتحقيق مطالبه منهم".
يميل المراهق في هذه المرحلة إلى العزلة عن أفراد أسرته، ويفضل الجلوس بغرفته، وخاصة إن واجهته مشكلة، لاعتقاده بأنه ما من أحد يفهمه، وتقل نقاشاته الشخصية مع والديه، حيث يفضل مناقشتها مع أصدقائه بدلا منهم، لأنهم يمرون بتجارب مشابهة، وخاصة في العلاقات العاطفية، وفق الدكتورة طوقان.
القيمة الأولى الأكثر وجودا بنفس المراهق هي الولاء لمجموعة الأقران (بيكسلز)
أصدقاء المراهق أقرب من الأهل
وتقول طوقان "من المشاكل التي يواجهها الأهل أيضا عدم تقبل ابنهم لما يقولونه له، وينصحونه به، على الرغم من أنه قد يستجيب لنفس الأمر من أشخاص آخرين، مثل الأصدقاء أو المرشد التربوي أو أي شخص ليس من ضمن عائلته".
وتفسر هذا السلوك بأن المراهق يشعر من خلاله أنه مستقل عن والديه وعن تحكمهم به، وأنه على علم تام بأن والديه سوف يتحملانه مهما صدر منه، ولاهتمام المراهق في هذه المرحلة لكلام الناس وانطباعهم عنه وتقييمهم له فيحاول إرضاءهم دائما والاستجابة لهم.
وتشرح طوقان: وقد تختلف المراهقة من شخص لآخر، فمنهم من يتقرب أكثر من والديه أو أحدهما، ومنهم من يتقرب أكثر من الأصدقاء ومنهم من يفضل الوحدة، ولكن بحال وجود اضطراب في السلوك وعدم القدرة في السيطرة عليه من قبل الأهل، يجب الاستعانة بالأخصائي النفسي للمساعدة في كيفية التعامل مع ابنهم ومساعدته في فهم نفسه وتعديل سلوكه، وتعامله مع أهله والآخرين.
المراهق واكتشاف الذات
ومن جهته يقول الدكتور عاطف شواشرة الاستشاري النفسي والأسري رئيس جمعية العلوم النفسية بالأردن "تعد مرحلة المراهقة مرحلة العواصف، لأن الطفل منذ الولادة وحتى عمر 12 عاما يبقى يكتشف المجتمع المحيط، والبيئة من حوله، لكن في هذه المرحلة يبدأ باكتشاف الذات، مما يعني أن مفهوم الطفل عن نفسه سيتغير، إذ تنهار أسس هذا البناء وتتداعى، ويصبح كل شيء جديدا بالنسبة له".
ويبين الدكتور شواشرة بأن التغيرات، التي تحدث فترة المراهقة، تظهر واضحة بأنه يبدو منشغلا بنفسه كثيرا، فيصبح مفهومه عن ذاته هو شرف مرحلة المراهقة، لذلك يكون حساسا جدا للتغيرات والكلمات التي تحدث أو تقال له، والمشكلة تكمن في أن الأهل بعض الأحيان يصرون على معاملته كطفل، فعندما يطلب مستحقات معينة أو ضرورات يستنكرون عليه ذلك، ويقال له "ما زلت صغيرا. لا يمكنك أخذ قرارك بنفسك بأمر ما" لكن إذا طلب الوالدان أو أحدهما منه شيئا ما، وأوكلت له مهام معينة يصبح مسؤولا، وإذا أخفق يسمع كلمات فيها نوع من الإهانة "أنت رجل ولا تستطيع إنجاز هذا الأمر؟!" وغيرها من العبارات.
هذا التناقض في التنشئة للمراهق "أمر حساس جدا" فهو غير راض عن معاملة والديه، وفق الاستشاري شواشرة. لذلك نرى في مرحلة المراهقة نوعا من عناد الابن، لأن هنالك نوعا من إثبات الذات، فهو يسعى طوال الوقت لإثبات ذاته من خلال فرض ما يسمى الفاعلية النفسية، وتعني قدرة المراهق بالتأثير على الآخرين وقدرته على تحدي قراراتهم وإثبات نفسه، وإثبات كفاءته.
المراهق يميل للتحرر من قوانين وما يسمى قيود الأسرة (بيكسلز)
القيمة الأولى للمراهق "أقرانه"
ويعيد شواشرة التأكيد على أن "المراهقة" مرحلة حساسة، وهناك العديد من الأمهات تشتكي بأن الابن يتجاهلها ولا يصغي لها، لذا على الآباء والأمهات ألا يفسروا هذه السلوكيات على أنها نوع من الحقد أو العقوق، بل هي ولاء لنفسه، وليس كرها بوالديه.
ويكمل: والشيء الثاني أن اكتشاف المراهق لنفسه يضعه أمام مفترق طرق، (ماذا سأصبح؟) ويسعى لأن يكون صورة مهنية، مثلا (هل سأصبح مهندسا، طبيبا، طيارا أو معلما.. وغيرها) فيتردد بين هذا وذاك، وهذه الصور تتداعى إلى ذهنه أحيانا، والمشكلة إذا تقمص مهنة معينة يجب أن يعامله الأهل كما لو أنه أصبح طبيبا أو مهندس، خصوصا أنه أصبح حساسا لأي كلمة تقال له.
ويشرح الاستشاري النفسي "يتبدل حال الطفل في مرحلة المراهقة، لأن القيم بالنسبة له تتغير، ففي مرحلة الطفولة القيمة الأولى هي حب الوالدين والانتماء لهما، والشعور برضاهما والقرب منهما، لكنها تتغير بمرحلة المراهقة ويصبح الأكثر وجودا في نفس المراهق الولاء لمجموعة الأقران، إذ إن ولاءه لأصدقائه في الصف أو لأصحابه قبل الوالدين والإخوان والعم والخال وغيرهم".
ويعلل: لذلك فهو حساس لأي نقد يتعرض له من الوالدين أو المعلمين أو المدير، وأمام أصدقائه، فيشعر بإهانة كبيرة جراء هذا الانتقاد، كما أن الأهل في هذه المرحلة يتذمرون من سلوكياته ويكثر لومه وانتقاد أصدقائه، مما يجعله يثور بردات فعله.
احتواء المراهق بالحب والتقبل
ويعتقد شواشرة أن كثرة التذمر في حياة المراهق غير صحية، لذلك على الآباء والأمهات احتواء المراهق من خلال التعامل بالحب أولا، ثم التقبل لأفكاره الغريبة، وتقبل التغيرات التي تحدث بسبب التغيرات الهرمونية في جسمه، إذ يصبح لديه نوع من الضغط النفسي، بمراقبة نضوجه الجسدي "فنراه يتطلع لنفسه في المرآة عدة مرات في اليوم حتى يراقب نمو شاربه مثلا" وهذا بحد ذاته يعتبر نوعا من الضغط النفسي.
ويتم احتواء المراهق من خلال التربية بالحب، وتقبل المراهق وتغيراته، ونتحدث معه بحوار هادئ ودافئ وديمقراطي ومتعاطف، مفاده أن وجه نظر الوالدين مفروضة عليه، وبذات الوقت يشعر بقربهم وحبهم له.
هناك شكاوى بأن الابن المراهق يتجاهل أمه ولا يصغي لها (بيكسلز)
دراسة: أدمغة المراهقين تحجب صوت الأم
أظهرت دراسة جديدة نشرت في مجلة علم الأعصاب "جي نوروسي" (JNeurosci) أن أدمغة المراهقين تتحول من التركيز على صوت الأم إلى أصوات أقرانهم، بحسب ما نشر موقع "بيرنتس" (Parents).
اعتمدت الدراسة على 46 طفلا تتراوح أعمارهم بين 7 و16 عاما، واستخدم القائمون عليها التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، لمعرفة ما سيحدث عندما يسمعون صوت أمهاتهم، أو صوتا أنثويا غير مألوف.
أظهرت الدراسة أنه عندما يسمع الصغار صوت أمهاتهم، فإن مركز المكافأة في دماغهم يضيء، الأمر المختلف بهذه الدراسة الجديدة أن الذين يبلغون 13 عاما فما فوق لم يكن لديهم نفس الاستجابة، بدلا من ذلك، أضاءت أدمغتهم مراكز المكافآت عندما سمعوا أصواتا أنثوية غير مألوفة.
مؤلف الدراسة الرئيسي الدكتور دانيال أبرامز، وهو أستاذ مساعد سريري للطب النفسي والعلوم السلوكية يقول "عندما تكون مراهقا، لا تعرف أنك تفعل هذا، فأنت فقط لديك: أصدقاؤك ورفاقك الجدد، وتريد قضاء الوقت معهم، لقد أصبح عقلك حساسا ومنجذبا بشكل متزايد تجاه الأصوات غير المألوفة".
ويتابع أبرامز أن أدمغة المراهقين تتجه نحو المزيد من الاستقلال، وهذا طبيعي ومتوقع تماما، كما اتضح، فقد تقوم أدمغتهم بترشيح أنواع الأصوات وفقا لمستويات الأهمية "لذا لم تعد أمي الرقم واحد خاصة إذا كان الطالب في فصل دراسي وتشغل الرياضيات مساحة تفكير أكبر لديه، وعندما نتذكر أن المراهق يهتم أكثر فأكثر بالمغامرة، فإن هذا السلوك المزعج الجديد فجأة يصبح له معنى كبير".