سعد سلوم الفائز بجائزة ابن رشد الألمانية: التنوع يمثل ميراثا حضاريا مشتركا لكافة الجماعات العراقية
تكريم الكاتب العراقي سعد سلوم في حفل جائزة ابن رشد بألمانيا مطلع سبتمبر/أيلول الجاري
حصل الباحث الأكاديمي العراقي سعد سلوم مؤخرا على أرفع جائزة في مجال الفكر الحر بألمانيا، حيث كرّمته جائزة ابن رشد -مناصفة مع الأكاديمية اللبنانية نايلا طبارة- كأحد أبرز الذين دعموا ونشروا الفكر الديمقراطي الحر والديمقراطية والإبداع في البلاد العربية.
وتأسست هذه الجائزة عام 1998، بمناسبة الذكرى 800 لوفاة الفيلسوف ابن رشد، ومن أبرز المفكرين والمثقفين العرب الذين حصلوا عليها: محمد عابد الجابري، ومحمود أمين العالم، وصنع الله إبراهيم، وراشد الغنوشي وآخرون.
وسلوم هو أول عراقي يحصل على هذه الجائزة الرفيعة، فهو ناشط في مجال الحريات وحقوق الأقليات، وحصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية، وهو يعمل أستاذا للعلاقات الدولية في كلية العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية.
ولسلوم 19 مؤلفا عن شؤون التنوع المختلفة، من أبرزها: "الأقليات في العراق" (2012)، و"السياسات والإثنيات في العراق منذ الحكم العثماني وحتى الوقت الراهن" (2014)، و"الإيزيديون في العراق" (2016)، و"حماية الأقليات الدينية والإثنية واللغوية في العراق" (2017)، و"وسائل الإعلام العراقية وقضايا التنوع الديني" (2018)، و"نهاية التنوع في العراق" (2019)، وغيرها من الكتب في العلاقات الدولية، ودراسات منشورة باللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية.
وقاد سلوم في السنوات الماضية مجموعة من مبادرات الحوار الوطنية، مثل مبادرة الحوار الإسلامي المسيحي، والمجلس العراقي لحوار الأديان، وأسس مركزا خاصا لرصد خطابات الكراهية في العراق، فضلا عن معهد خاص لتدريس الأديان المختلفة مثل المسيحية والإيزيدية والمندائية والبهائية والزرادشتية.
الكاتب العراقي سعد سلوم نالت أعماله عن أقليات العراق جوائز عديدة
وكان سلوم قد حاز أربع جوائز عالمية، هي: جائزة تحالف ستيفانوس الدولية في أوسلو عام 2018 عن عمله في مجال حماية الحريات الدينية، وجائزة البطريركية الكلدانية عن كتابه "المسيحيون في العراق: التاريخ الشامل والتحديات الراهنة"، وجائزة كامل شياع لثقافة التنوير عن مجمل أعماله الفكرية، إضافة إلى جائزة ابن رشد عام 2022.
التعددية والكرامة الإنسانية
وبسؤاله كيف يقدم نفسه للقارئ العربي، قال سلوم "أصاب بالذعر من فكرة تصنيفي أو مطالبتي بأن أعرف هويتي أو عملي. صحيح أن جزءا مني باحث وأكاديمي، لكني أحب أن ينظر لي كمدافع عن التعددية والكرامة الإنسانية، وأتطلع إلى أن أكون أحد صناع السلام في العراق والشرق الأوسط".
وتابع "دفعت في العقدين الماضيين إلى أن أكون أحد رواة القصص. ففي بلد يتكون من 21 طائفة دينية من ضمنها 14 طائفة مسيحية، ينتصب مسرح صغير مزدحم بالروايات، كل طائفة لديها قصة تروى ومطالب تطرح على الطاولة. إننا شعب من القصص يبحث عن جمهور من المستمعين، وعن رواة يتلون قصته أو يسجلون حكاياته".
وأضاف في حديث للجزيرة نت "كانت مهمتي طوال هذه السنوات ملاحقة القصص التي لم تدون، وإعادة اكتشاف الثقافات المنسية وتمثيلها في المجال العام، والأهم من ذلك تشجيع الآخرين على اكتشافها، والإنصات للأصوات المهمشة والمغيبة".
وأردف "لقد كنت أصغي بشكل جيد، بحيث أتحول مع الآخر المختلف إلى واحد. الإنصات هو أساس كل حوار ناجح، لكن حين يزدحم المسرح الصغير بالمتكلمين ولا أحد يصغي، يعلو الصخب، ومن ثم ينقسم المجتمع ويتشتت".
مغامرة اكتشاف الثقافات
ويرى سلوم أن كل ما في هذا العالم قد خلق لكي يوضع في كتاب، فعندما تتحدث عن بلد غني بتنوعه الديني مثل العراق "فإنك تكتشف في كل زاوية قصة وفي كل منعطف تاريخا، هناك ثقافات لا يوجد مثيل لها في بلدان أخرى، مثل الثقافة التي يمثلها الكاكائيون في شمال البلاد، وهم جماعة دينية يعدون إحدى الشظايا المتبقية من شعوب قديمة كانت تعتنق المثرائية، ويتميزون بشواربهم الطويلة التي تغطي الفم على نحو ذي دلالة على عدم الإفصاح عن حقيقة معتقداتهم".
ويضيف "كذلك الثقافة الفريدة التي يمثلها الشبك الذين يعدون أقلية إثنية تستقر في منطقة سهل نينوى، وتتميز بتراث عرفاني مميز من التصوف"، ويتابع "وفي التاريخ المعاصر، يعد العراق منطلقا لأقليات دينية حديثة، مثل البهائية التي تعد بغداد المكان الأول لإعلان دعوتها".
ويشير إلى أنه في بغداد تقع أهم المراكز المقدسة للبهائيين، "البيت" الذي سكنه "بهاء الله" في جانب الكرخ، والذي يعد محجا لستة ملايين بهائي في العالم حاليا. "ثم إن أديانا قديمة قد عادت للظهور بعد اختفائها قرونا، مثل الزرادشتية التي عادت للانبعاث مجددا في كردستان العراق، وتضم بغداد موقعا مقدسا لنبي الديانة السيخية التي يتنشر أتباعها في الهند".
ويرى سلوم أن ما سماها "خريطة التنوع المذهلة" هي "مصدر اقتصاد بديل لاقتصاد الريع النفطي"، ويقول "طرحت هذه الفكرة للمرة الأولى في كتابي (التنوع الخلاق) عام 2013، ثم طورتها في كتابي (الوحدة في التنوع) عام 2015، وبينت ملامح الكارثة من نهاية التنوع وليس نهاية النفط أو نضوبه في كتابي (نهاية التنوع) 2019، والفكرة ببساطة شديدة تقوم على اقتراح اقتصاد بديل لاقتصاد الريع النفطي يقوم على الاستثمار في التنوع الديني والإثني واللغوي".
ويضيف "النفط لا يمثل هوية البلاد الحضارية، بخلاف النهرين الخالدين: دجلة والفرات، والتنوع الذي يمثل ميراثا حضاريا مشتركا لكافة الجماعات العراقية".
ويعتبر سلوم أن اقتصاد الريع النفطي كان سببا في تدمير قطاعات شكلت هوية البلاد الحضارية، مثل قطاع الزراعة في بلاد عرفت باسم بلاد ما بين النهرين، وقال إن اكتشاف النفط شكل النهر الثالث ووفر للبلاد وعدا بنهوض حضاري جديد، "لكن النهر الرابع والدائم الذي لا يجف مثل المياه ولا ينضب مثل النفط يبقى هو التنوع المجتمعي الخلاق القائم على أهمية العراق كهوية حضارية دينية متنوعة بالغة الثراء".
سفير للعراق
ويقول سلوم إنه حاول قدر الإمكان من خلال مؤلفاته ومحاضراته في الجامعات العالمية ومراكز الدراسات الأوروبية أن يكون "سفيرا للعراق الآخر الذي لا يراه الأجانب في نشراتهم"، مؤكدا أنه سعى إلى تغيير الصورة النمطية عن العراق، وعدم اختزاله في صراع سني شيعي أو كردي عربي أو مجرد ساحة خلفية لصدام أميركي إيراني، و"حاولت جذب الانتباه إلى ثراء بلاد ما بين النهرين"، بحسب قوله.
واعتبر أن العراق بالإضافة إلى تنوعه الديني يتميز بتنوعه القومي وتعدديته الثرية: العربي، والكردي، والكلدو أشوري أو السرياني، والأرمني، والتركماني، والفيلي، والشبكي، والأفروعراقي، والشركسي الشيشاني الداغستاني.
ويقول سلوم "بعد فشل القومية العربية، هيمن الإسلام السياسي، لكن الخيال السياسي يجب أن يقدم بديلا ثالثا، يقوم على المواطنة، ولكن ليست المواطنة الأحادية التي تنبني على هوية تختزل الخصوصيات الثقافية للأفراد في هوية عامة بلا ملامح، مثل وحش كاسر يبتلع الهويات الفردية، وليس المواطنة الحصرية التي تقوم على هوية منتخبة دون غيرها من قبل سلطة غاشمة أو دكتاتورية أغلبية، وليس على المواطنة المكوناتية كما في لبنان والعراق وهو نمط يحول الفرد إلى مجرد رقم انتخابي في هوية مكون".
تقاليد الكتابة عن التنوع
وفي خطاب نيله جائزة ابن رشد للفكر الحر، دعا سلوم إلى تغيير تقاليد الكتابة عن التنوع في العالم العربي، وقال إن بعض نساء الأقليات الدينية قدن مجتمعاتهن في فترات حرجة، مثل "ميان خاتون" الأميرة الإيزيدية، و"سورما خانم" الأميرة الآشورية".
ويقول سلوم إنه يمكن أن "تجد جماعة تعيش في الظل لعقود، تنتظر إعادة اكتشافها أو تدوين قصتها. على سبيل المثال وجدت أن مساهمة الزعماء البهائيين في تراث الإصلاح والنهضة للشعوب العربية والإسلامية جرى تغييبها".
ويضيف أنه من خلال البحث في أفكار البهائيين، وجد أنها كانت قريبة من أفكار زعماء الإصلاح في الشرق الأوسط في كل من إيران ومصر وتركيا، وناقشت أفكارا أصبحت مطلبا لجميع الدعوات الإصلاحية في العالم العربي.
مستقبل المساواة
ويقول سلوم إنه ليس متفائلا بمستقبل المساواة في المنطقة، ويضيف "يوترني النفاق السائد لدى المثقفين العرب، إذ نتعاطف مع ضحايا مضطهدين في الغرب مثل جورج فلويد على سبيل المثال، وننسى أننا نمارس التمييز العنصري في بلادنا. انظر إلى التعامل مع سود البشرة في بلداننا وقصص التمييز اليومية التي نسمعها ونسجلها، العرب من أصول أفريقية في العديد من بلدان المنطقة هم مواطنون في أدنى سلم التراتبية الاجتماعية".
ويختم سلوم بالقول إن "المساواة في العالم العربي بحاجة إلى سنوات طويلة من النضال، وإلى وضوح أخلاقي عال".