يحكي بطل المسلسل عن معوقات العمل في سورينام، حيث يفرض عليه ضابط بالجيش إتاوة بحجة حمايته، فيوافق، ولكن عندما يدعي رجل عصابة صيني أنه "يمتلك البحر" ويهدده جسديا؛ يجد نفسه في مأزق.
مسلسل قديسو المخدرات (الصحافة الأجنبية)
تمر السينما والدراما الكورية الجنوبية بأخطر سنواتها حاليا، إذ نجحت مؤخرا في فرض إنتاجها على العالم، ومن ثم تجاوزت حدودها إلى العديد من الشاشات؛ سواء عبر خدمات البث على الإنترنت، أو عبر المهرجانات السينمائية والتوزيع في دور العرض.
وتتمثل الخطورة التي تشبه اللحظات التالية لانطلاق الصاروخ بكل قوته؛ في ذلك الانطباع الذي ينتظر أن تتركه لدى المشاهد في مختلف أنحاء العالم، خاصة أن الأعمال المتميزة منحت جواز العبور لكل أنواع الأعمال الكورية، سواء كانت متميزة أو لا.
وتكشف شاشات العرض حاليا عن ذلك الثراء في ثقافة كوريا الجنوبية، وعن ذلك النوع من الخيال المختلف، لكنها تكشف أيضا عن مساحات التأثر الشديد بالسينما الأميركية، خاصة فيما يرتبط بأفلام الحركة والتشويق.
وينتمي مسلسل "قديسو المخدرات" (Narco Saints) الذي يعرض على شبكة "نتفليكس" (Netflix)، إلى ذلك النوع الهجين، إذ يحمل ملامح مجتمعية قادمة من كوريا الجنوبية، وكذلك يحمل صفات الدراما والأكشن والتشويق، التي تنتمي بالضرورة إلى هوليود الأميركية.
"قديسو المخدرات".. دراما وغضب حكومي
ويمنح المبدعون الكوريون الجنوبيون مساحة كبيرة نسبيا لاستعراض حياة الفقراء ومعاناتهم لكشف تناقضات المجتمع والظلم الواقع على فئات بعينها دون الأخرى، و"قديسو المخدرات" الذي أخرجه "يون جونغ بين" (Yoon Jong bin) من بطولة "ها جونغ وو" (Ha Jung woo)، واحد من هذه الأعمال التي تنطلق من كون البطل فقيرا يعاني في سبيل تأمين حياة كريمة لزوجته وطفليه.
وفي سياق الدراما، يقبض على البطل "كانغ إن غو" بسبب احتواء شحنات السمك التي يستوردها من سورينام إلى كوريا الجنوبية على الكوكايين، فيُكتشف أن رجل الدين ذي الأصل الكوري الذي ساعده هو نفسه كبير مهربي الكوكايين هناك، وأنه يقدم رشاوى إلى رئيس الدولة اللاتينية مقابل السكوت عن عملياته المشبوهة.
وكانت حكومة سورينام قد صرحت من خلال وزير خارجيتها ألبرت رامدين في بيان صدر في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي على موقع حكومي، "لم تعد لدى سورينام الصورة التي تظهر في المسلسل أو لم تعد تشارك في مثل هذه الأنواع من الممارسات. إنها تخلق تصورا سلبيا… العالم كله يرى هذه الأشياء، لذا فإن هذا ليس جيدا".
رامدين قال أيضا إن حكومته تدرس ردا قانونيا ضد منتجي مسلسل "قديسو المخدرات"، إلى جانب نيتها التقدم باحتجاج دبلوماسي لدى حكومة كوريا الجنوبية.
تقنية التعليق الصوتي
استخدم صنّاع المسلسل الكوري الجنوبي تقنية التعليق الصوتي، وهي تقنية وثائقية بشكل خاص وإن كانت الدراما تستعين بها في أحيان كثيرة، والمبرر هنا يتعلق بنقل مشاعر البطل وقصته طبقا لوجهة نظره.
ولأن الممثل يلعب دور البطل والمعلق، كان عليه أن يبرر وجوده في سورينام، لكنه يبدأ قصته التي بدأت قبل بداية المسلسل، موضحا أنه ولد في عام 1968، وذهب والده للقتال في فيتنام، ثم عندما عاد عمل في وظائف متعددة، حتى توفي في حادث له علاقة بالعمل.
وفي تلك المرحلة، كان كانغ مسؤولا عن رعاية إخوته، حيث تولى وظائف متعددة بنفسه. تزوج من أول امرأة وافقت ثم أنجب أطفالا، وأصبحت الوظائف المختلفة التي كان يعمل بها لا تلبي احتياجات الأسرة.
ثم عاد صديقه إلى المنزل من رحلة عالمية لبيع الأسماك حاملا معه فرصة عمل، وهي تصدير أسماك من سورينام التي تملك فائضا كبيرا، إلى كوريا الجنوبية لتحقيق أرباح ضخمة.
يصل البطل إلى الدولة الصغيرة في أميركا الجنوبية، ويحكي عن معوقات العمل هناك؛ حيث يفرض عليه ضابط بالجيش إتاوة بحجة حمايته، فيوافق، لكن عندما يدعي رجل عصابات صيني أنه "يمتلك البحر" ويهدده جسديا؛ يجد نفسه في مأزق.
يذهب كانغ إلى الكنيسة للتظاهر بالصلاة إرضاء لزوجته، وهناك يلتقي القس الكوري الذي يعرب عن سعادته بوجود كوريين في سورينام، ويعرض رجل الأعمال مشكلته فيتم حلها بهدوء، حيث يتعهد القس بحمايته.
رجل دين أم مهرب؟
يقدم الممثل "هوانغ جونغ مين" دور "غيو يو هوان" مهرب المخدرات المطارد دوليا، والذي يجد في سورينام دولة صغيرة شبه منعزلة يمكن الاختفاء فيها بسهولة، ويقرر أن يتنكر في صورة رجل دين، ومن ثم يبدأ في السيطرة على المؤمنين به وعلى مفاصل الدولة من خلال تقديم رشاوى للرئيس.
أتقن هوانغ جونغ أداءه في الحالين، حتى إنه قبل كشفه عن نفسه كتاجر مخدرات وقاتل يمكن ببساطة للمشاهد أن يصدق أنه رجل دين حقيقي، لكن أداءه كمجرم كان الأكثر براعة، وقد برع في التنقل بين الحالين بتعبيرات وجهه بشكل خاص، حيث انتقل من ذلك التسامح والهدوء والطمانينة التي تميز وجه رجل الدين إلى تعبيرات وجه شيطاني يحمل الضغينة ويبشر بالموت والخراب في لمح البصر وبصورة مقنعة.
ويعد هوانغ واحدا من أكثر نجوم السينما تحقيقا لإيرادات السينما الكورية الجنوبية، وقد لعب دور بطولة عدد من الأفلام الشهيرة مثل "نشيد لوالدي" (Ode to my Father) 2014، وفيلم "مخضرم" (Veteran) 2015، وفيلم "النحيب" (The Wailing) 2016، وهو الممثل الثالث في كوريا الجنوبية الذي يصبح عضوا في "نادي 100 مليون مشاهد"، جنبا إلى جنب مع "سونغ كانغ هو" بطل فيلم "الطفيلي" (Parasite) الحاصل على جائزة الأوسكار 2019.
الصدمة
"الكوريون في الخارج" هي "تيمة" فرعية في العمل، لكن كاتب السيناريو يلح عليها، ويؤكدها باستمرار كنقطة انطلاق لتشكيل ملامح الثقة التي أدت الصدمة العنيفة بعد فضح رجل الدين الكوري الجنوبي، وبالتالي فإن تهريب المخدرات ليس هو الجريمة الكبرى في العمل، وإنما خيانة الرابط المشترك هي القضية.
ويقدم السيناريو صياغة مختلفة لأبجديات العلاقات الإنسانية تختلف عن تلك التي يمكن مشاهدتها في الإنتاج الغربي أو الأوروبي، حيث يبدأ تكوّن القرابة بالدم، وبالوطن أيضا.
ولعل تلك الحوارات التي دارت بين ضابط المخابرات الذي يعمل ضمن منظومة لا تعرف الراحة في مسلسل "قديسو المخدرات" جاءت لتؤكد على أن العمل من أجل "كوريا الجنوبية" أفضل من العمل لمصلحة الشخص، وهو المنطق الذي أدى إلى إقناع البطل بالانضمام إليه، حتى وإنْ لعب التعويض المالي دورا في الأمر، وكأن ذلك التعويض هو رد لحق ضاع صاحبه وهو الأب الذي حارب وعمل ومات بدون أن تتحسن حياته.
تجنيد لمكافحة المخدرات
يقوم أحد ضباط المخابرات الكورية الجنوبية بتجنيد "كانغ إن غو" بدلا من سجنه، للقبض على "رجل الدين"، وتبدأ مرحلة صراع وتشويق استطاع مخرج العمل أن يصور خلالها لحظات إنسانية مؤثرة. وكان صديق كانغ قد قُتل من قبل عصابة التهريب، فاشترط كانغ على الأجهزة الأمنية دفع جزء من أجره لأسرة الصديق، وفي السياق نفسه نجد تصويرا لشوق الأسرة للأب، وتحولا في موقف الزوجة التي كانت تطالب بالمال لرعاية الأسرة وقد اكتفت بأمنية عودة زوجها سالما.
في المقابل يستعرض "قديسو المخدرات" صراع الأعراق والقوميات في الدولة الصغيرة، والمنعكس في العصابات، حيث توجد عصابات كورية وأخرى صينية، تحاول أن تنتزع السيطرة على منافذ التهريب من بعضها، مع غياب شبه كامل للضبط الأمني حتى إن شخصا عوقب ببتر قدمه وقُتل وعُلّق في مدخل الحي الصيني ولم تتحرك الأجهزة الأمنية.
يتمرد "كانغ" على أوامر الشرطة، ويقرر الثأر لنفسه ولصديقه، ويعتزم قتل كبير المهربين، ويحاول الضابط أن يثنيه، إلى أن يتم توريط "رجل الدين" في تهريب المخدرات عن طريق جزر تابعة للولايات المتحدة الأميركية، ما يعني طبقا للقانون الأميركي أن من حق قواتها التدخل والقبض على المهرب بدون اعتبار لسيادة الدولة. وفي مشهد مثير ودموي في الوقت نفسه، يتم القبض على المهرب المتنكر في صورة رجل دين.
ويتأكد اختلاف الوجدان الكوري في مسلسل " قديسو المخدرات" من خلال تلك القدسية التي أضفاها على الروابط العائلية سواء مع الآباء والأمهات، أو الأزواج والزوجات، ويغرق العمل في تفاصيل ترمي إلى نقل تلك الحالة المجتمعية إلى المشاهد ضمن دراما العمل.
المسلسل يشي بأزمة، ويعترف بها البطل في التعليق الصوتي تتعلق بأولئك الذين بذلوا حياتهم في الحرب والعمل ثم اضطروا إلى العيش في الهامش؛ بينما يستمتع مهربون من أمثال "غيو يو هوان" بحياة الترف.