يحكي رجل قصته قائلًا: "كنت مسافرًا.. فانتهيت في الطريق إلى شجرة ظليلة فآثرت أن أستريح في ظلها بعض الوقت.. وإذا بي ألمح شيخًا إلى جوار جذع الشجرة يبكي بكاءً حارًا وعن يمينه كلب ممد على الأرض. وأشفقت على الرجل وأقبلت عليه في لهفة أستطلع شأنه لعلي أستطيع أن أخفف عنه ما به، أو أقوم نحوه بشيء، فلما سألته عن حاله أجابني بصوت متهدج تخنقه العبرات: كلبي! كلبي! إنه صاحبي الوفي إذا ما غدر الأصحاب.. إنني لا أحتمل أن أراه في هذه الحالة الشنيعة. فقلت: وما بال كلبك يا سيدي؟ وماذا أصابه؟ قال: مسكين! إنه يجود بأنفاسه الأخيرة إنه يموت.. قلت: هل نزل به مكروه؟ هل عقره ذئب؟ فقال: كلا.. ولكنه يموت من الجوع ولا يجد من الزاد ما ينقذ حياته.. فأخذت أواسي الرجل بما حضرني من كلمات العزاء والمواساة، ولكنّي لم ألبث أن لمحت إلى جانب الرجل جرابًا منفوخًا فسألته: وما الذي في هذا الجراب يا أخي؟ فقال: أرغفة أحملها لزادي..
قلت: الويل لك! أتحمل كل هذه الأرغفة ولا تقدم منها ما ينقذ حياة كلبك الوفي العزيز الذي تبكي عليه بالدمع الغزير؟ فحملق في الرجل في دهشة وهو يقول: حقًّا يا سيدي إنه وفي وعزيز جدًا ولكن الصلة الوثيقة بيننا لم تصل إلى باب هذا الجراب"..