فوهة البركان وبحيرتها يهيمن عليها نوع واحد من البكتريا من جنس "أسيديفيليم" (يورك ألرت)
البحث عن الحياة على كوكب المريخ ليس بالأمر السهل، فليس من الصعب الوصول إلى الكوكب الأحمر فحسب، بل إنه غير مضياف تماما للحياة كما نعرف. ومع ذلك، هناك أماكن على الأرض يمكن أن توضح لنا كيف ظهرت الحياة على سطح المريخ في مرحلة ما خلال تاريخ الكوكب البالغ 4.5 مليارات سنة.
ووفق الدراسة التي نشرتها دورية "فرونتيرز إن أسترونومي آند سبيس ساينس" (Frontiers in Astronomy and Space Science) يوم 29 يناير/كانون الثاني الماضي، فقد اكتشف العلماء عددا قليل من الميكروبات المتخصصة في ظروف مشابهة لتلك الموجودة بالتاريخ المبكر للمريخ، في بحيرة "لاغونا كالينتي" (Laguna Caliente) (البحيرة الساخنة) التي يبلغ قطرها نحو 365 مترا، وتقع في فوهة بركان "بوا" (Poás Volcano) النشط في كوستاريكا بأميركا الوسطى.
وكما أشار تقرير موقع ساينس ألرت Science Alert فقد قام باحثون من جامعة كولورادو بولدر (University of Colorado Boulder) في الولايات المتحدة بدراسة البكتيريا لمعرفة المزيد حول كيفية تكيفها للبقاء على قيد الحياة بهذه الظروف القاسية. ووجدوا أنها تعيش بفضل مجموعة واسعة من التكيفات، بما في ذلك مسارات لتوليد الطاقة باستخدام الكبريت والحديد والزرنيخ.
بحيرة "لاغونا كالينتي"
إنها واحدة من أكثر البحيرات حمضية على مستوي العالم، وماؤها ذو لون أزرق، ومليء بالمعادن السامة، وله تأثير تآكلي شديد على المواد، ولهذا فهو لا يصلح لوجود حياة فيه، كما تغطي قاع البحيرة طبقة من الكبريت السائل.
هذه البحيرة واحدة من أكثر الموائل غير المضيافة على وجه الأرض، حيث إن الماء شديد الحموضة ومليء بالمعادن السامة، ويمكن أن تصل درجات حرارة مياه الفوهة إلى ما يقارب نقطة الغليان، مما يجعل الحياة صعبة على أي كائن حي يعيش فيها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن البحيرة عرضة "للثورات البركانية" المتكررة التي تتسبب في حدوث انفجارات مفاجئة للبخار والرماد والصخور. ورغم أن هذه الانفجارات مميتة، يزعم العلماء أن البكتيريا التي تعيش في تلك البحيرة البركانية تمتلك المفتاح لفهم كيف بدأت الحياة ونجت في المريخ.
"لاغونا كالينتي" من أكثر البحيرات حمضية بالعالم وماؤها أزرق مليء بالمعادن السامة (يورك ألرت)
بحوث مستمرة
تتابع هذه الدراسة متعددة التخصصات عملا سابقا أجري عام 2013. في ذلك الوقت، وجد فريق بحث بقيادة جامعة كولورادو بولدر أن هناك نوعا واحدا فقط من البكتيريا من جنس "أسيديفيليم" (Acidiphilium) أو "عاشق الحمض" وهذا النوع من البكتيريا شائع في تصريف المناجم الحمضية والأنظمة الحرارية المائية، ومن المعروف أن لديه جينات متعددة تتكيف مع بيئات متنوعة.
عام 2017، اندلع بركان "بوا" بشكل متفجر، وقرر فريق من الباحثين إعادة زيارة البحيرة لمعرفة كيف أثر النشاط البركاني المستمر على المجتمع الميكروبي الذي حددوه عام 2013، وما إذا كانت هناك تغييرات في التنوع الميكروبي، وكذلك لدراسة العمليات الكيميائية الحيوية للكائنات بشكل أكثر شمولا، خاصة وأن الانفجارات البركانية لديها القدرة على تعقيم البحيرة البركانية تماما.
يقول المؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة، جاستن وانغ، وهو طالب دراسات عليا بجامعة كولورادو بولدر "إحدى النتائج الرئيسية التي توصلنا إليها أنه داخل هذه البحيرة البركانية المتطرفة، اكتشفنا فقط أنواعا قليلة من الكائنات الحية الدقيقة، مع ذلك فهناك العديد من الطرق المحتملة للبقاء على الحياة".
وأضاف في البيان الصحفي المنشور على موقع يوريك ألرت Eurek Alert "نعتقد أنهم يفعلون ذلك من خلال البقاء على أطراف البحيرة عند حدوث الثورات البركانية. وهذا عندما يكون وجود مجموعة واسعة نسبيا من الجينات مفيدا".
ويقول الفريق إن بيئة البحيرة تشبه تلك الموجودة على المريخ خلال تاريخه المبكر، مما يشير إلى أن بعض الحياة البسيطة ربما تشكلت على المريخ في وقت كان هذا الكوكب لا يزال يحتوي على مياه سائلة جارية.
البكتيريا بالبحيرة لديها قدرات بيوكيميائية لمساعدتها على تحمل الظروف القاسية والديناميكية (يوريك ألرت)
مفاجأة كبيرة
يُظهر هذا العمل الأخير أن هناك تنوعا بيولوجيا أكبر قليلا، ولكن لا يزال هناك هيمنة للبكتيريا من جنس "أسيديفيليم". ومن خلال فك تسلسل الحمض النووي للبكتيريا في عينات البحيرة، أكد الفريق أن لديها مجموعة متنوعة من القدرات البيوكيميائية لمساعدتها على تحمل الظروف القاسية والديناميكية.
وقد شملت هذه القدرات مسارات لتوليد الطاقة باستخدام الكبريت والحديد والزرنيخ وتثبيت الكربون (مثل النباتات) والسكريات البسيطة والمعقدة وحبيبات البلاستيك الحيوي (التي يمكن أن تخلفها الكائنات الحية الدقيقة وتستخدمها كاحتياطي للطاقة والكربون أثناء الإجهاد أو الجوع).
ويوضح المؤلف الرئيسي للدراسة "توقعنا الكثير من الجينات التي وجدناها، لكننا لم نتوقع هذا العدد نظرا لانخفاض التنوع البيولوجي للبحيرة. كانت هذه مفاجأة كبيرة. ومن المنطقي أن هذه هي الطريقة التي ستتكيف بها الحياة مع العيش في بحيرة فوهة بركانية نشطة".
البحث عن علامات الحياة
ورغم أن هذه البيئة قاتلة في كثير من الأحيان، فإن الأنظمة الحرارية المائية توفر معظم المكونات الرئيسية لتطور الحياة، بما في ذلك الحرارة والماء والطاقة. وهذا هو السبب في أن النظريات الرائدة لكل من الأرض والمريخ تركز على هذه المواقع.
ولهذا، يرى الباحثون أن الطرق التي تتكيف بها هذه الميكروبات المتطرفة مع بيئتها "الجهنمية" يمكن أن توضح لنا كيف كان من الممكن أن تعيش الميكروبات ذات يوم على كوكب المريخ الأكثر رطوبة والأكثر بركانية.
يقول وانغ "يوفر بحثنا إطارا لكيفية وجود الحياة على الأرض في البيئات الحرارية المائية على سطح المريخ. فإذا كانت الحياة موجودة أم لا على كوكب المريخ من قبل، وإذا كانت تشبه الكائنات الحية الدقيقة الموجودة لدينا هنا، فلا يزال هذا سؤال كبير. ونأمل أن يوجه بحثنا الدراسات لتحديد أولويات البحث عن علامات الحياة في مثل هذه البيئات".
ومن خلال فهم كيفية نجاة البكتيريا المتطرفة على الأرض، يأمل الفريق أنه عندما يتم جلب عينات من صخور المريخ، سيكون من السهل تحديد المواد الكيميائية التي يمكن أن تكون دليلا على وجود حياة فضائية في الماضي.