زوار أمام هرم متحف اللوفر الزجاجي في باريس (الفرنسية)
أعلنت وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد الملك أمس السبت أن متحفي اللوفر وفرساي الشهيرين سيطفئان أنوارهما في وقت مبكر كإجراء رمزي للتذكير بأزمة الطاقة الناجمة عن الحرب الأوكرانية.
وكانت مدينة باريس قد أعلنت قبل أيام أنها ستبدأ بإطفاء الأضواء التي تزين معالم المدينة قبل ساعات من المعتاد، مما جعل برج إيفل ومعالم أخرى تغرق في الظلام لمواجهة ارتفاع تكاليف الكهرباء.
وأضافت الوزيرة أنه سيتم إطفاء أنوار هرم اللوفر أيضا الساعة الـ11 مساء بدلا من الواحدة صباحا.
وستطفئ واجهة شاتو دو فرساي في جنوب غرب باريس أنوارها الساعة العاشرة مساء قبل ساعة من الموعد المحدد.
وأشارت عبد الملك إلى أن "الرموز مهمة للغاية لرفع مستوى الوعي العام"، مضيفة أن الإجراءات الرمزية وحدها لن تكون كافية لخفض استخدام الكهرباء.
وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد الملك تغادر الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء بقصر الإليزيه في باريس (الفرنسية)
وحثت الوزيرة المؤسسات الثقافية الفرنسية على اتباع أساليب توفير الطاقة مثل تلك التي اتبعها متحف أورساي في باريس، والتي "خفضت استهلاك الطاقة بمقدار الثلث، وذلك عن طريق تغيير المصابيح والتحول إلى مصابيح الليد".
ولفتت إلى أن هناك مناقشات جارية مع دور السينما لاستبدال أجهزة العرض الخاصة بها، قائلة "إذا تحولت إلى أجهزة العرض التي تعمل بالليزر يمكنها قسمة استهلاكها للطاقة على سبعة".
وارتفعت أسعار الطاقة في جميع أنحاء أوروبا بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، ويرجع ذلك جزئيا إلى الاضطرابات في أسواق الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا.
ويخشى مثقفون ونقاد أن تؤثر أزمة الطاقة الأوروبية الحالية مجددا بالسلب على قطاع الثقافة الذي لم يتعافَ بالكامل من تبعات جائحة كورونا.
مكانة خاصة
ولطالما احتلت الثقافة مكانة خاصة في المجتمع الفرنسي وحظيت بالدعم من القطاعين العام والخاص، حيث يُنظر إليها وفق مفهوم "الاستثناء الثقافي" بوصفها قطاعا مميزا لا يخضع لشروط السوق والمنطق التجاري، لكن أزمة كورونا -التي خفتت وتيرتها حاليا- فرضت واقعا مختلفا في العامين الماضيين.
وفي تقرير سابق نشره موقع "ذا كونفرزيشن" (The conversation) في مارس/آذار 2021 تقول الأكاديميتان آن غومبولت ونسيمة أرحمون إن الحكومة الفرنسية تعرضت خلال جائحة كورونا لانتقادات بسبب توجهاتها التي تتعارض مع مفهوم "الاستثناء الثقافي" الفرنسي.
وترى الكاتبتان أن تعريف الحكومة الفرنسية ما هو "ضروري" و"غير ضروري" يُظهر سوء فهم عميق لماهية المجتمعات الاستهلاكية في عصر ما بعد الحداثة.
وحسب رأيهما، فإن إجراءات الحكومة الفرنسية تتجاهل المبادئ التي تحدث عنها عالم الاجتماع الفرنسي جان بودريار الذي قال إن "الاستهلاك هو الوجود الاجتماعي".
ورأى بودريار أن الاستهلاك مرآة تعكس طبيعة الحياة اليومية والوجود الاجتماعي.
وأيضا تتجاهل الإجراءات الحكومية الفرنسية نظرية عالم اللسانيات جان ماري فلوك الذي يؤكد أن الاستهلاك هو لبنة بناء هوية الفرد، ويعكس الانتماء الاجتماعي والعديد من القيم الوجودية والنقدية، وبالتالي فإن الاستهلاك هو الثقافة، والثقافة في الواقع هدف للاستهلاك، حسب تعبير الكاتبتين.
الثقافة على الهامش
وحسب الكاتبتين، فقد أدى الإغلاق الأول إلى هيمنة الإنتاج الثقافي الأميركي وترسيخ العولمة، وبطبيعة الحال استغلت المنصات عبر الإنترنت التي تقدم برامج مدفوعة -مثل "نتفليكس" (Netflix)- الأزمة لتنمية هيمنتها على السوق، وبالتالي فإنها هي الفائزة الكبرى وليس قطاع الثقافة في فرنسا.
وبإغلاق الأماكن الثقافية -في إغلاقات العامين الماضيين استجابة لجائحة كورونا- اعتبرت الحكومة الفرنسية القيم الجمالية "ثقافة غير أساسية" وجعلتها تقتصر على أشكالها التجارية فقط، في حين يسعى محترفو الثقافة غير الربحية للتكيف مع هذا العصر الجديد من خلال التحول إلى عالم افتراضي، لكنهم يفتقرون إلى التمويل الكبير للعمالقة الرقميين.
وتضيف الكاتبتان أن "هوية فرنسا مبنية على ثقافتها، فهي الغراء الذي يربط الأمة الفرنسية ببعضها بعضا، أظهرت حكومات أخرى أكثر استنارة أن الأماكن الثقافية ضرورية بالفعل، يجب على فرنسا أن تفعل الشيء نفسه".
وتختمان بأن تدمير الثقافة من أجل الصحة العامة والاقتصاد أمر سخيف، ولا سيما مع العلم أن الثقافة متأصلة بعمق في كليهما.