طور العلماء مواد «الترميم» أو «الشفاء الذاتي»، وهي فئة من المواد الذكية التي لديها القدرة على إصلاح الأضرار الناجمة عن الاستخدام الميكانيكي المتواصل مع مرور الوقت، ومن دون أي تدخل بشري خارجي، وقد تم استلهام هذه المواد من النظم البيولوجية الطبيعية، التي لديها القدرة على الشفاء بعد الإصابة.
وسوف تدخل هذه المواد الجديدة على سبيل المثال، في تكوين المواد الإنشائية الأساسية التي تستخدم في عمليات البناء والتشييد أو في هياكل السيارات والطائرات والجسور، الأمر الذي يسهم في النهاية في التقليل من تكلفة الإنتاج في العمليات الصناعية المختلفة اللازمة لإصلاح الإضرار، وإطالة عمر الخدمة لهذه المواد، والحد من عدم كفاءة هذه المواد بسبب التدهور الحادث.
* مواد واعدة
* وأعلن باحثون كوريون حديثا، عن توصلهم إلى تطوير ما وصفوه بأنه أول مواد طلاء ذاتية الترميم واقية لحماية الشقوق في الخرسانة، التي تعد من مواد البناء الأكثر استخداما في العالم، كما أن مواد الطلاء الجديدة الواعدة، غير مكلفة وصديقة للبيئة، حيث ستؤدي لتقليل الحاجة إلى إعادة ترميم الطرق المتكرر، الذي يعد عملية مكلفة، ولها آثار سلبية كبيرة على البيئة. ونشرت نتائج الدراسة في الأول من فبراير (شباط) الماضي 2013، على الموقع الإلكتروني لمجلة «Applied Materials & Interfaces»، التي تصدرها الجمعية الكيميائية الأميركية.
وأوضح الباحث تشان تشونغ مون، المشارك في هذه الدراسة، من قسم الكيمياء بجامعة يونسي في كوريا الجنوبية، أن حماية خرسانة الطرق والجسور وغيرها من الهياكل، كان تحديا تكنولوجيا كبيرا، فالشقوق في الخرسانة تؤدي على المدى الطويل إلى تدهورها. وتحدث هذه الشقوق نتيجة لكثير من العوامل، مثل الهواء والتغيرات في درجة الحرارة والرطوبة. ويقول الباحثون إن الطلاء الجديد، يحتوي على كبسولات دقيقة جدا، محملة بمواد لسد شقوق الخرسانة.
وكان باحثون في قسم البيئة والمواد بكلية الهندسة المدنية وعلوم الأرض بجامعة دلفت الهولندية، قد أعلنوا، أخيرا، عن توصلهم، وبعد 7 سنوات من البحث والتجريب، إلى تطوير شكل جديد من الخرسانة، يمكنها الترميم الذاتي للشقوق الحادثة فيها، حيث يحتوي مزيج الخرسانة، على بكتيريا، عندما تتعرض للماء، تنتج الحجر الجيري، الذي يستخدم في صناعة مواد البناء، حيث يقوم بملء أي شقوق غير مرغوب فيها بالخرسانة.
وقال الباحثون إن مواد الترميم الذاتي بالخرسانة، تحتوي على حبيبات من جراثيم بكتيرية، ولاكتات الكالسيوم، وهي مادة غذائية تحتاجها البكتيريا للبقاء على قيد الحياة، وهذه الجراثيم البكتيرية تظل كامنة، حتى يتم تفعيلها بواسطة مياه الأمطار، التي تشق طريقها خلال شقوق الخرسانة، وعند ذلك تبدأ البكتيريا في التغذي على المواد المغذية، ويتم إنتاج معدن الكالسيت، الذي يعد المكون الأساسي للحجر الجيري، حيث يقوم بملء الشقوق والفجوات الحادثة في الخرسانة.
* طلاء ترميم
* ويضيف الباحثون أنهم قد استطاعوا ترميم شقوق خرسانية بعرض 0.5 ملليمتر في المختبر، ويقومون حاليا باختبار الخليط الجديد خارج المختبر في ظروف الحياة الواقعية، ويقولون إنه إذا سارت الأمور بشكل جيد، فسوف تكون الخرسانة ذاتية التجديد في السوق، في غضون سنتين إلى 3 سنوات.
وجدير بالذكر أن شركة «Autonomic Materials» بولاية إلينوي الأميركية، تعمل حاليا على تطوير طلاءات ذاتية الترميم، ومواد لاصقة، تقوم على تكنولوجيات الكبسولات الميكروية الدقيقة جدا (Microcapsule Technologies)، التي وضعتها جامعة إلينوي الأميركية في إربانا - شامبين، التي أثبتت أنها قادرة على الإصلاح الذاتي للدوائر الكهربائية.
يقول جو جولياني الرئيس التنفيذي للشركة، إن «التطبيقات الأولية التي سيتم إدخالها للسوق، سوف تتمثل في طلاءات الترميم الذاتي للاستخدام في المنشآت والمركبات البحرية، مثل السفن والمواني أو منصات النفط والغاز، لحماية المعادن من التآكل».
ويضيف جولياني أن «هذه التكنولوجيا الجديدة تستند على نظام للطلاء، يتم فيه إدراج نوعين مختلفين من الكبسولات الدقيقة جدا، أحدهما يحتوي على عنصر الترميم الذاتي، والآخر يحتوي على محفز، فعندما يحدث الضرر بالطلاء، تتمزق هذه الكبسولات، وتتفاعل محتوياتها مع بعضها، وتقوم بترميم الأضرار التي لحقت، واستعادة سلامة الطلاء»، ويقول جولياني إنه «عندما يحدث الضرر، تذهب الكبسولات لموقع الضرر، وتقوم بترميمه تحت الماء، ومن دون وجود الأكسجين».