الكون يتوسع بمعدل متسارع، ولا يعرف العلماء السبب الحقيقي والمؤكد وراء ذلك، إذ يبدو أن هذه الظاهرة تتناقض مع كل ما يفهمه الباحثون بخصوص تأثير الجاذبية على الكون.
نظرية النسبية العامة لم تستطع تفسير الطاقة المظلمة، وربما يحتاج العلماء إلى تعديلها (ناسا)
في واحدة من أكثر الاختبارات دقة حتى الآن لنظرية الجاذبية لألبرت أينشتاين في المقاييس الكونية، توصل فريق علمي دولي إلى أن طبيعة الجاذبية ظلت كما هي طوال تاريخ الكون بأكمله، كما أن الفهم الحالي لنظرية النسبية العامة لا يزال يبدو صحيحا.
تأتي هذه النتائج قبل وقت قصير من إرسال تلسكوبين فضائيين من الجيل التالي إلى الفضاء لإجراء قياسات أكثر دقة للجاذبية ودورها في التطور الكوني، إذ من المتوقع أن تعمل هذه الدراسة التي نشرت في دورية "فيزيكال ريفيو دي" (Physical Review D)، على تمهيد الطريق لفهم الجاذبية، وربما تحل لغز الطاقة المظلمة في الكون أخيرا.
وحسب البيان الصادر من "مختبر الدفع النفاث" (Jet Propulsion Laboratory) التابع لوكالة ناسا، فإن الباحثين -بقيادة مؤسسة مسح الطاقة المظلمة- قدموا نتائج دراستهم في المؤتمر الدولي لفيزياء الجسيمات وعلم الكونيات، الذي انعقد في ريو دي جانيرو من 22 إلى 26 أغسطس/آب الماضي.
طبيعة الجاذبية ظلت كما هي طوال تاريخ الكون بأكمله (ناسا)
نظرية أينشتاين لا تزال تعمل
عام 1915، نشر ألبرت أينشتاين نظريته عن النسبية العامة لوصف الجاذبية، وحتى الآن تنبأ بدقة بكل شيء من مدار عطارد إلى وجود الثقوب السوداء، لكن لم يستطع تفسير الطاقة المظلمة ومدى تأثيرها على توسع الكون.
وفي هذا الصدد، يقول البيان الصادر من "مختبر الدفع النفاث" إنه إذا لم تستطع نظرية النسبية العامة تفسير الطاقة المظلمة، فربما يحتاج العلماء إلى تعديل بعض معادلاتها أو إضافة مكونات جديدة.
ويضيف بيان ناسا أن الكون يتوسع بمعدل متسارع ولا يعرف العلماء السبب الحقيقي والمؤكد وراء ذلك، إذ يبدو أن هذه الظاهرة تتناقض مع كل ما يفهمه الباحثون بخصوص تأثير الجاذبية على الكون، فهي أشبه بما لو أنك رميت تفاحة في الهواء واستمرت في الصعود بشكل أسرع وأسرع، ولا يزال العلماء يفسرون حتى الآن ذلك التسارع بأنه بسبب لغز الطاقة المظلمة التي تحتل مساحة كبيرة من الكون.
والدراسة الجديدة التي قام بها الفريق العلمي من مؤسسة المسح الدولي للطاقة المظلمة، باستخدام تلسكوب "فيكتور إم بلانكو" (Victor M. Blanco)، بطول 4 أمتار في تشيلي، تهدف لتحديد إذا ما كان هذا كله مجرد سوء فهم لكيفية عمل الجاذبية على نطاق الكون، وإذا ما كانت نظرية الجاذبية بحاجة إلى إعادة صياغة.
باستخدام تلسكوب فيكتور إم بلانكو، يعمل الفريق على فهم عمل الجاذبية في الكون (الصحافة الأجنبية)
ولمعرفة إذا ما كانت هذه هي الحال، بحث أعضاء الفريق العلمي عن دليل على أن قوة الجاذبية قد اختلفت عبر تاريخ الكون أو عبر المسافات الكونية، مما قد يساعد في تفسير توسع الكون المتسارع، إلا أنهم لم يجدوا ذلك الدليل، كما أنهم لم يجدوا أي تفسير للغز الطاقة المظلمة.
كما قام الباحثون بفحص البيانات من تلسكوبات أخرى، بما في ذلك "القمر الصناعي بلانك" (Planck satellite) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، وتوصلوا إلى النتيجة نفسها.
ووفقا لتلك النتائج، فقد وجدت الدراسة أن نظرية أينشتاين لا تزال تعمل.
مهمات قادمة
وفقا لبيان مختبر الدفع النفاث، فإن هذا البحث سيغذي المهمتين القادمتين: وهما مهمة إقليديس التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، المقرر إطلاقها في موعد لا يتجاوز عام 2023، وتلسكوب نانسي غريس رومان التابع لوكالة ناسا، الذي من المقرر إطلاقه في موعد أقصاه مايو/أيار 2027، حيث سيبحث كلا التلسكوبين عن التغيرات في قوة الجاذبية بمرور الوقت أو المسافة.
تغذي الدراسة مهمتان قادمتان لتلسكوب إقليديس وتلسكوب نانسي غريس رومان (الصحافة الأجنبية)
ويضع بيان ناسا عدة أسئلة لمهمات التلسكوبين، وأبرزها كيف يعرف العلماء ما حدث في ماضي الكون؟ وذلك بحثًا عن دليل على أن قوة الجاذبية قد اختلفت عبر تاريخ الكون، وبالتالي يحتاج العلماء إلى النظر بعمق نحو الأشياء البعيدة مثل السنة الضوئية، وكذا المجرات التي تبعد مليارات السنين الضوئية.
لقد نظرت هذه الدراسة الجديدة في المجرات التي تمتد إلى نحو 5 مليارات سنة في الماضي، لكن التلسكوب الفضائي إقليديس سينظر إلى 8 مليارات سنة في الماضي، كما سينظر تلسكوب نانسي غريس رومان إلى الوراء 11 مليار سنة.