يؤكد خبراء الأمم المتحدة أن الترابط بين هذه الكوارث يجعل الحلول مترابطة أيضا، مما يعني أن اتخاذ إجراء واحد يمكن أن يساعد في الحد من أخطار أكثر من نوع واحد من الكوارث.
ظواهر مناخية متناقضة لكنها مترابطة، كيف ذلك؟ (فليكر)
أظهر تقرير جديد لخبراء من الأمم المتحدة وجود علاقة ترابط بين الكوارث الطبيعية، وأكد أن هذا الترابط يشمل الظواهر المناخية التي تبدو متناقضة وأصبحت أكثر حدة وتواترا في السنوات الأخيرة، مثل موجات الجفاف وحرائق الغابات والأمطار الغزيرة والفيضانات، لكنها تشترك في الأسباب المناخية والبشرية نفسها.
كيف تنشأ هذه الظواهر المتناقضة في الوقت نفسه وفي مناطق مجاورة، وما الأسباب الجذرية لوقوعها؟
حلل التقرير، الذي أعده خبراء من معهد البيئة والأمن البشري التابع لجامعة الأمم المتحدة (UNU-EHS)، 10 كوارث حدثت بين عامي 2001 و2022، كان من بينها موجة الحر التي ضربت مقاطعة كولومبيا البريطانية في كندا، وإعصار آيدا الذي ضرب سواحل ولاية لويزيانا الأميركية، وفيضانات لاغوس في نيجيريا، وحرائق الغابات في البحر الأبيض المتوسط وانعدام الأمن الغذائي في جنوب مدغشقر، وجفاف تايوان.
وأوضح التقرير أن هذه الظواهر لا تحدث بمعزل عن بعضها بعضا.
التقرير الذي أعده خبراء من الأمم المتحدة حلل الكوارث التي حدثت بين عامي 2001 و2022 (مواقع إلكترونية)
نتائج كارثية لظواهر متناقضة
يتضح من النتائج الرئيسية لتقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، الذي صدر العام الماضي، أن الأحداث المتطرفة -مثل الجفاف وحرائق الغابات والفيضانات- تتفاقم بشكل متزايد نتيجة التأثير البشري.
ولا يمثل ما أشار إليه التقرير الأممي سوى عينة من الكوارث المترابطة والمتناقضة أحيانا التي شهدها العالم مؤخرا. فخلال هذا الصيف، عاشت باكستان تحت وطأة فيضانات عارمة أدت إلى مقتل نحو ألف شخص وتشريد الملايين، في الوقت الذي شهدت فيه الصين -البلد المجاور- موجة جفاف شديدة أدت إلى جفاف الأنهار والبحيرات وتوقف محطات توليد الكهرباء عن العمل، وصفها الخبراء بأنها أشد موجة حرارة مسجلة في العالم.
وعرفت أوروبا فترة جفاف وصفت بأنها الأسوأ منذ 500 عام في غياب هطول الأمطار لأكثر من شهرين أدى إلى تراجع قياسي لمستوى المياه في الأنهار الرئيسية مثل نهر التايمز في بريطانيا.
وأصبحت الملاحة مستحيلة في بعض أجزاء نهر الراين في ألمانيا ونهري بو والسين في فرنسا، وشارفت المياه في نهر الدانوب بلوغ أدنى مستوياتها التاريخية.
وصيف السنة الفارطة، شهدت أوروبا أيضا ظاهرة مناخية مناقضة بعد أن اجتاحت فيضانات غير مسبوقة وسط أوروبا أدت إلى فيضان العديد من الأنهار وغرق المدن والبلدات التي على ضفافها.
وسبق تلك الفيضانات تسجيل أرقام قياسية في درجات الحرارة في حوض المتوسط نتج عنها اندلاع سلسلة من الحرائق الواسعة في عدد من البلدان، كالجزائر وتونس واليونان وتركيا، وخسارة عشرات آلاف الهكتارات من الغابات.
ورغم أن ظواهر مثل موجات الحر والجفاف والحرائق تبدو متناقضة مع ظواهر الأمطار الغزيرة والفيضانات ولا يبدو أن لديها الكثير من القواسم المشتركة، فإنها مترابطة مع بعضها بعضا، حسب التقرير الأممي.
فيضانات باكستان الأخيرة سبقها صيف حار وتزامنت مع موجة جفاف في الصين المجاورة (رويترز)
عندما يؤدي الجفاف إلى فيضانات
وحسب التقرير، فإن ارتفاع تركيز الغازات المسببة للاحترار في الجو -مثل غاز ثاني أكسيد الكربون الذي بلغ حوالي 419 جزءا من مليون جزء بزيادة حوالي 50% عما كان عليه قبل الثورة الصناعية- يعد أحد الأسباب الرئيسية للظواهر المناخية المتطرفة.
إذ يزيد الاحترار العالمي من أخطار الجفاف بعدة طرق، أهمها تبخر الماء بسرعة أكبر في درجات حرارة أعلى. ويمكن أن يؤدي الطقس الحار إلى تسريع جفاف التربة وأوراق النباتات وتحويل الماء إلى بخار ينتشر في الغلاف الجوي عبر عملية تسمى النتح.
وتؤدي هذه الظروف إلى الإضرار بالنباتات والغطاء الغابوي (الحرجي) ونقص الموارد المائية السطحية التي يتسارع تبخرها بفعل الحرارة المرتفعة، وهي ظروف مميزة لفترات الجفاف، ومناسبة لاندلاع الحرائق في الغابات.
من ناحية أخرى، تؤدي درجات الحرارة المرتفعة، حسب خبراء المناخ، إلى تبخر المزيد من المياه السائلة من التربة والنباتات والمحيطات والمجاري المائية، لتصبح بخار ماء. ويعني بخار الماء الإضافي هذا أن هناك المزيد من الرطوبة المتاحة للتكثف في قطرات المطر عندما تكون الظروف مناسبة لهطول الأمطار.
والمزيد من الرطوبة يتسبب في هطول أمطار غزيرة، أو ثلوج كثيفة خلال فصل الشتاء. وقد قدر العلماء أن كل زيادة بدرجة واحدة في الحرارة ينجم عنها ارتفاع في نسبة رطوبة الهواء بحوالي 7%.
حرائق الغابات تكررت في عدد من دول العالم وآخرها حرائق الجزائر (شترستوك)
أسباب جذرية
إضافة إلى الاحترار العالمي الناتج عن زيادة انبعاثات الغازات الملوثة في الجو، رصد الخبراء في هذا التقرير، وفق موقع أخبار الأمم المتحدة، عددا من الأسباب البشرية المنشأ مثل إزالة الغابات والتمدد العمراني التي تبدو مشتركة لجل الكوارث الطبيعية التي قام الخبراء بتحليلها في التقرير.
إذ تؤدي إزالة الغابات، على سبيل المثال، إلى تآكل التربة، كما ينجم عن نقص الأشجار والجذور غياب أي حماية لها من عوامل التعرية كالرياح والأمطار ويمكن جرفها بسهولة.
وتخلق هذه الوضعية ظروفا مثالية للعديد من الكوارث، كالانهيارات الأرضية المدمرة التي حدثت خلال زلزال هاييتي، وتشكل العواصف الرملية في جنوب مدغشقر، وزيادة ترسبات خزانات المياه التي أسهمت في موجة الجفاف في تايوان.
كما أكد التقرير أن عدم كفاءة إدارة المخاطر والاستخفاف بالتكاليف البيئية وعدم المساواة في التنمية تعد من بين الأسباب الجذرية الأكثر شيوعا لجميع الكوارث تقريبا.
في المقابل، يؤكد خبراء الأمم المتحدة أن الترابط بين هذه الكوارث يجعل الحلول مترابطة أيضا، مما يعني أن اتخاذ إجراء واحد يمكن أن يساعد في الحد من أخطار أكثر من نوع واحد من الكوارث.
فالعمل على الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحترار العالمي والتوقف عن إزالة الغابات، على سبيل المثال، يمكن أن يساعد في تخفيف حدة الظواهر الطبيعية المتطرفة كموجات الحر والفيضانات والأعاصير في الوقت نفسه.