الساهر عاش طفولة قاسية قبل أن يعرف الشهرة (الفرنسية)
بغداد- على مدى سنوات طويلة استطاع الفنان العراقي كاظم الساهر الحفاظ على الصدارة باعتباره أحد أكبر فناني الموسيقى العربية المعاصرة وأكثر نجوم الغناء شعبية في العراق والعالم العربي، وحاز على ألقاب عديدة، أبرزها "قيصر الغناء العربي"، و"سفير الأغنية العراقية".
وفي مثل هذا اليوم 12 سبتمبر/أيلول 1957 ولد الساهر في بيت بسيط بمدينة الموصل (شمالي العراق) وسط عائلة تتألف من 7 أخوة، قبل أن ينتقل مع عائلته إلى بغداد، وعاش طفولة قاسية بسبب الفقر، وكان يعمل في العطل المدرسية في بيع المثلجات والكتب، وعمل في أحد مصانع للنسيج إلى أن جمع ثمن أول آلة موسيقية (غيتار)، ومن بعدها تعلم العزف على آلة العود، ثم واصل دراسته وتدرجه في الفن حتى بزغ نجمه في العراق وانتشر سريعا في باقي الدول العربية.
عجام أشار إلى أن أعمال الساهر الغنائية شكلت انعطافة مميزة في الغناء العربي
سنوات الحرب
وبدأ كاظم الساهر تسجيل أول أعماله الغنائية في منتصف الثمانينيات من القرن الـ20، وبدا بارعا في الأداء وتميز الألحان، وتراكمت المحاولة إثر الأخرى، وباتت أغانيه الأولى تتردد على ألسنة الجماهير، ومن أبرزها "يا شجرة الزيتون"، و"عابر سبيل" التي اعتبرها النقاد آنذاك أعمالا ناضجة ومكتملة من حيث الصياغة الفنية، بحسب الكاتب والناقد الفني علي عبد الأمير عجام.
وفي حديثه للجزيرة نت يرى عجام أن نجم الساهر بدأ يسطع خلال فترة الثمانينيات التي شهدت الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) والسنوات التي تلتها، وجسدت أغانيه الأشواق إلى الوطن، ووصف حال البلاد آنذاك بطريقة فنية رسمت أجساد الأطفال الضامرة والمحنية.
ويشير إلى أن بعض أغاني الساهر مثل "رحّال"، و"استعجلت الرحيل" كانت قد جمعت بين معان تشكل تجسيدا دقيقا للمواطن العراقي خلال سنوات الحصار الاقتصادي الذي شهده البلاد في تسعينيات القرن الماضي، وكيف هجر العراقيون وطنهم.
ويلفت عجام إلى أن الساهر أسس من خلال أغانيه بداية الانتقال في التعبير من الحدود المحلية إلى أفق التعبير العربي موسيقيا وغنائيا، ويصف بعض النقاد ذلك بأنه "حفر بقوة مكانته في الموسيقى العربية المعاصرة عبر أسطوانة "مدرسة الحب" عام 1996، حيث عناصر الطرب والمقطوعات الموسيقية الطويلة أخذت شكل الزخرفة اللحنية"، لافتا إلى أن ذلك يعد أحد العناصر الأساسية في اللحن الغنائي العربي الأصيل.
ويضيف: صار من الطبيعي أن تكون أعمال الساهر الغنائية انعطافة مميزة في الغناء العربي بفضل النجاح الذي حققه من حضور عبر مسيرة غنائية تلحينية مكنته من الوقوف في مقدمة منتجي الأغنية العربية المعاصرة، لافتا إلى أن ذلك تجلى من خلال أغنيته "حبيبتي والمطر".
السعدي أكد أن الساهر يتأنى في اختيار النص الشعري ويناقش الشاعر عدة مرات
عرش الأغنية العربية
بدوره، يقول الشاعر كاظم السعدي إنه "رافق الفنان كاظم الساهر منذ بدايته، فوجد لديه طموحا غير عادي، وحين كان يزوره في بيته يراه يفترش الأرض ويمسك عوده لـ5 أو 6 ساعات، وأخبرني بأنه يقوم بذلك للإلمام بكل أدواته الموسيقية استعدادا لفرص عربية قد تتهيأ، فكانت مثابرته وتفوق أفكاره سر تربعه على عرش الأغنية العربية".
ويبين السعدي للجزيرة نت أن الساهر يتأنى في اختيار النص الشعري ويناقش الشاعر عدة مرات، وأحيانا يضيف إلى النص كلمة أو جملة، وذلك بموافقة الشاعر.
ويشير إلى أن تجربته مع الساهر بدأت من المسرح العسكري حيث غنى له 3 أغنيات، واستمر بالعمل معه حتى وصل العدد إلى 12 أغنية كانت أقربها إلى قلب الساهر أغنية "شحلو طولك"، وبات يغنيها في كل حفلاته.
ويكشف السعدي أن آخر الأغاني التي قام بتأليفها للساهر كانت "مسبار الأمل"، وهناك أغنية جاهزة للتسويق قريبا اسمها "ما ينقدر لك يسمر"، والتي ستنطلق خلال فترة قصيرة.
شمة يرى أن سر تألق الساهر يعود لامتلاكه كل العناصر التي يحتاجها الفنان ليبقى طوال هذه السنين
صدارة بجدارة
من جانبه، يقول الموسيقار العراقي نصير شمة إن طريق الفن يعتمد على الموهبة والعلم والأخلاق والتواضع، فهذه خلطة أساسية في تقبل الفنان التعلم المستمر المتواصل والإصغاء للآخرين من أصحاب الخبرة، وكذلك التواضع الذي يجعل الفنان في عمل دؤوب للتطور، وهذه الأشياء مع الموهبة والممارسة ومع الخبرة في بناء الجملة الموسيقية الناجحة الغنائية التي تتحول إلى عمل غنائي هي التي تقود إلى أن يكون هذا الفنان ذا شأن مهم في الموسيقى أو الأغنية.
ويوضح شمة في حديثه للجزيرة نت أن الساهر استطاع أولا أن يحصل على علم من بغداد بدراسة الموسيقى 6 سنوات، ثم جعل من الموسيقى جسرا وأداة ليخرج إلى العالم، ولم يكن في حسبانه أن يبقى محليا، وسعى وما زال يسعى ويجتهد طويلا في جلسات فنية وفي جلسات تحضيرية لاختيار أفضل الثيمات الموسيقية وأفضل الجمل بصحبة مجموعة من أصدقائه الموزعين والشعراء.
ويشير إلى أن الساهر نجح لأنه أخلص لفنه ولعمله وللجمهور، واهتم باختيار النصوص التي يعمل عليها وتطويرها، لأنه أراد أن يجد لنفسه مكانا وسط عمالقة الغناء العربي.
ويعزو شمة سر تألق الساهر إلى امتلاكه كل العناصر التي يحتاجها ليبقى طوال هذه السنين بمستوى مستقر ومتصاعد بنوعية جيدة، وهذا جهد كبير لا يمكن أن يكون بالصدفة والحظ.