أمين أكد أن له كتابات تزيّن جدران بعض مساجد العراق الكبيرة
يعدّ الخطاط محفوظ ذنون أمين الموصلي أحد أبرز خطاطي العراق، فقد نجح في المزج بين عراقة فنون المدرسة البغدادية الرائعة وأصالة المدرسة التركية الزاخرة بأنماط فريدة من الجمال والإبداع.
وتمتد مسيرة أمين البالغ من العمر 51 عاما أكثر من 40 عاما، قدم فيها أروع الأعمال وأثمن التحف في مجال فنون الخط العربي.
مسيرة أمين الفنية تمتد أكثر من 40 عاما قدم فيها أروع الأعمال في مجال فنون الخط العربي
بداية المشوار
عن بداياته، يقول أمين "عندما كنت في الـ11 من العمر في بداية الثمانينيات، وقعت بيدي بعض الكتب وكراسة الخط، وتأثرت كثيرا بالكتابات الموجودة فيها، وأخذتني إلى عالم آخر تتراقص فيه الحروف والكلمات مع نغمات الجمال والأشكال، وبدأت أقلد بعضها مستعينا بأقلام ومحابر أخي المهتم بفن الخط الذي يكبرني بـ10 سنوات".
ويسترسل أمين -في حديثه للجزيرة نت- قائلا "من هنا بدأ عشقي وارتباطي بفن الخط، وكان يسود مدينة الموصل حينئذ جو من الاهتمام العام بفن الخط بفضل الدورات المستمرة التي كانت تقام هناك، والتي كان للأستاذ المرحوم يوسف ذنون دور كبير في إقامتها والإشراف عليها".
ويشير إلى أنه في البداية كان يكتب من دون دراسة، بل يقلد ما يراه ويضيف إليه من مخيلته، واستمر على هذا الحال إلى المرحلة الجامعية حين تعرف على شيخ الخطاطين العراقيين الراحل يوسف ذنون الذي بدأ يعطيه الملاحظات على أعماله.
ويتابع أمين "كذلك كنا نلتقي في بعض أيام الخميس في اجتماعات جمعية الخطاطين، وفي هذه الأوقات كنت أطّلع على كتابات الخطاط المتمكن الأستاذ أحمد عبد الرحمن، إذ كانت كتاباته التي يرسلها إلى شقيقي الخطاط أكرم ذنون مؤثرة فيّ كثيرا، وانعكس ذلك على كتاباتي ومستواي في الخط، ثم حصلت على الإجازة في فن الخط من كلا أستاذيّ القديرين".
أمين قرر مواصلة مسيرته في فن الخط رغم قساوة ظروف هجرته إلى تركيا
مشاركات وإنجازات
كانت أولى مشاركات أمين الفنية في المدارس الابتدائية، عندما كان يكتب على السبورة ويقوم بتزيين وتصميم النشرات المدرسية (البوسترات)، حيث لاقت كتاباته إعجاب وتشجيع المحيطين به من مدرسين وزملاء وأصدقاء.
ويتابع حديثه أنه في التسعينيات شارك في معارض جمعية الخطاطين بالموصل ومعارض تربية نينوى، ثم الحدث الأكبر كان في مهرجان بغداد الدولي للخط والزخرفة الذي قدم فيه أعمالا حصل فيها على أول الجوائز في مسيرته، فكانت حافزا له للاستمرار والعطاء في هذا المجال.
ورغم تخرجه في كلية الحقوق بجامعة الموصل عام 1994، فإن ظروف الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضا على العراق آنذاك أجبرته على ترك عمل المحاماة بعد عامين من الممارسة، واختار التفرغ للعمل بمجال خط الإعلانات التجارية.
وكشف أمين أن مشاركته في مسابقة مركز أبحاث التاريخ والفنون (إرسيكا) في إسطنبول وحصوله على الجائزة الثالثة في خط "الجلي الديواني" أنقذه من ترك دراسته في كلية الحقوق.
واستمرت مشاركاته في مسابقات أخرى في كثير من الدول، أهمها مسابقة مصحف قطر، ومسابقة "البركة ترك"، ومسابقة جائزة البردة التي حصل على جائزتها الأولى سنة 2017، كذلك حصل على إحدى جوائز ملتقى الشارقة في دورتين، يضاف إلى ذلك مشاركات في كثير من المعارض والمهرجانات والملتقيات قدم فيها ورش عمل ومحاضرات في فن الخط وشارك في لجان التحكيم في بعض منها.
ويلفت إلى أنه أنجز في حياته الفنية كثيرا من اللوحات والآثار الخطية، وله كتابات تزيّن جدران بعض المساجد الكبيرة والعمائر في العراق، ولديه أعمال كثيره تأخذ مكانها في متاحف الخط والفنون الإسلامية وفي مجموعات المقتنيات الفنية الخاصة والعامة المنتشرة في دول مختلفة.
ظروف الهجرة
اضطر أمين إلى الهجرة إلى تركيا بعد الأحداث التي شهدتها مدينة الموصل عام 2014، لكنه قرر مواصلة مسيرته في فن الخط رغم قساوة الظروف. ويتحدث أمين عن الأزمات والحروب التي عاشها منذ طفولته، ليجد نفسه مجبرا على التكيف مع هذه المحن والصعاب التي أثرت تأثيرا سلبيا في حياته الشخصية والفنية.
وعن حياته في تركيا، يقول أمين إن هناك إقبالا كبيرا على تعلم فن الخط وسائر الفنون الإسلامية التركية القديمة، ويوجد احترام وتقدير كبير لهذه الفنون لدى شريحة واسعة من الناس، وذلك ما دفعه إلى مواصلة تدريس فن الخط لمحبيه وعشاقه وطلابه، إضافة إلى إنتاج اللوحات والأعمال الفنية.
ويعرب أمين عن شعوره بسعادة غامرة كونه أحد المسهمين في إحياء روح فن الخط ونقل خبراته بمجال فن الخط إلى الأجيال القادمة، مؤكدا أن تجربته في الدراسة الأكاديمية ودراسة الماجستير في كلية الفنون الجميلة بجامعة السلطان محمد الفاتح كانت إيجابية في تعزيز علاقاته وثقافته الفنية.
الجميلي وصف أمين بأنه خطاط مثابر متمسك بقواعد الخط العربي والأصول الكلاسيكية
حروف موسيقية
من جانبه، قال الخطاط الدكتور هيثم الجميلي إن محفوظ ذنون أمين يعدّ من الخطاطين المعاصرين للخط العربي، ولديه القدرة السلسة في الكتابة وإجادة الخط بإتقان متميز يتمتع بحروفه الموسيقية.
وأضاف الجميلي -للجزيرة نت- أن أمين يمتلك نتاجا غزيرا من اللوحات الفنية الجميلة بخاصة في خط الثلث والجلي.
ووصفه بأنه خطاط مثابر متمسك بقواعد الخط العربي والأصول الكلاسيكية، ولم تؤثر فيه الحواسيب والمطابع التجارية، فحرفته تمتاز بالأصالة وقوة القاعدة، ولديه القدرة الكافية في تركيب اللوحة الخطية مقتفيا أثر الأولين.
وأشار الخطاط الجميلي إلى أن أمين لديه مشاركات وجوائز دولية، وأقام العديد من المعارض الشخصية على مستوى رفيع جدا، وتخرج على يديه كثير من التلاميذ.
من جهته، ينوّه الخطاط العراقي فلاح حسن إلى أن بدايات تعلم أمين لفنون الخط كانت على يد أخيه الأكبر أكرم ذنون، وبعد ذلك تعلم على يد الخطاط يوسف ذنون، وأخذ الإجازة عنه، كما تعلم على يد الخطاط أحمد الأربيلي وتأثر به.
ويعزو حسن -في حديثه للجزيرة نت- سر تطور أمين في الخط العربي إلى سفره، وإقامته في تركيا، واحتكاكه بكبار الخطاطين هناك.
ويرى أن أمين نجح في دخول الساحة العالمية بقوة، وحاز العديد من الجوائز والمراكز الأولى والمتقدمة، ويعدّ اليوم أحد أفضل الخطاطين في العالم.