نوال وجدت في "قلادات الهنود الحمر" فرصة عمل ذهبية أنستها مشاق البحث عن الشغل (شترستوك)27/8/2022
الجزائر- مرآة الشعوب والحضارات والمجتمعات ينقلها ويترجمها ويوثقها ذلك الموروث الثقافي والشعبي الذي يُجسد إنتاجاً حضارياً لها يمتد كثير منها لآلاف السنين.
وسط ذلك الموروث توجد الصناعات التقليدية التي تعد في الوقت ذاته عنصر جذب سياحي، وموردا ماليا معتبرا لكثير من الدول التي تعتمد في اقتصادها على السياحة.
وتزخر الجزائر -هذا البلد العربي والأفريقي والمتوسطي- هو الآخر بصناعات تقليدية عريقة، حتى إنه لكل منطقة تقريبا صناعتها التقليدية الخاصة بها، وتتنوع بين حرف الحلي والمجوهرات بأنواعها الفضية والذهبية، وصناعة الفخار، واللباس التقليدي، وصناعة الزرابي والبساط، والنقش على الخشب وغيرها.
لاقطات الأحلام
رغم كل هذا التنوع ومئات المنتمين للحرف التقليدية بالجزائر، فإن فتاة من العاصمة أدخلت حرفة تقليدية ليست أجنبية فقط، بل يعود تاريخها إلى "عصر الهنود الحمر".
نوال تواتي اجتمعت في قصتها مع هذه الحرفة المصادفة والتحدي والإبداع، لحرفة أسمتها "لاقطات الأحلام" وتسمى كذلك "ماسكات الأحلام" و"قلادات الهنود الحمر".
مشوار كشفته نوال للجزيرة نت عندما أكدت أنه بدأ مصادفة من المغرب عند التقائها سيدة كندية تحترف صناعة هذه القلادات، ثم تكررت المصادفة عندما صنعت واحدة هدية لشقيقها، لتكون الهدية المقدَّمة منها "هدية قُدّمت لها في الوقت ذاته".
كيف ذلك؟ وهي التي كانت في رحلة أخرى للبحث عن فرصة عمل في تخصصها المحاسبة، فوجدت في "قلادات الهنود الحمر" فرصة عمل ذهبية أنْسَتها مشاق البحث عن الشغل وحتى أي عمل روتيني في مكتب اكتشفت بأنه "سيكون سجناً لإبداع اكتشفته في نفسها"، فأرادت استثماره كمشروع عمل دائم لها.
صنع نوال لـ"قلادات الهنود الحمر" بدأ صدفة عند التقائها في المغرب بسيدة كندية تحترف صناعة هذه القلادات (شترستوك)
مصادفة حرفة
الشابة نوال تواتي التي باتت تمتلك واحدة من أكثر الصفحات متابعة في الجزائر عبر موقع "إنستغرام" كشفت لـ"الجزيرة نت" أسرار حرفة "قلادات الهنود الحمر" وكيف بدأت مصادفة وانتهت مشروعاً.
تقول نوال للجزيرة نت "هذه الحرفة تسمى لاقطات الأحلام، تعلمتها في المغرب خلال زيارة قمت بها لأحد أفراد العائلة، التقيت مصادفة هناك بسيدة كندية كانت تصنع هذه القلادات والأشكال وتبيعها في المغرب، علّمتني طريقة صناعتها، وعند عودتي إلى الجزائر أردت صناعة واحدة من تلك القلادات لشقيقي الذي يحب كثيرا هذه الأمور، ويحب وضعها في غرفته وسيارته".
وتضيف "من شدة إعجابه بالقلادة التي صنعتها له، سألني مستغربا لماذا لا تصنعين هذه الأشكال والقلادات وتبيعينها ما دامت هذه الحرفة غير موجودة ولا معروفة في الجزائر؟".
وتزامن ذلك مع انتهاء "دراستي في المحاسبة ولم أجد حينها فرصة عمل، قلت في نفسي سأجرب حظي مع هذه الحرفة"، تقول للجزيرة نت.
واستطردت "بعد امتهاني لها لم أعد أبحث عن عمل في تخصصي التعليمي، لأنها أعجبتني كثيرا، ووصلت إلى مرحلة صناعة أشكال خاصة بي، خصوصا بعد أن لقيت إعجاب كثير من الجزائريين".
حرفة الهنود الحمر
عن أصل هذه الحرفة، قالت نوال "ليست كندية بحتة، بل أصلها يعود إلى الهنود الحمر الذين كانوا يصنعون هذه الأشكال والقلادات في منازلهم، وكانوا يؤمنون بها كثيرا، حتى إنه لكل عائلة من الهنود الحمر لاقطات أحلام خاصة بها، وكانوا يفتخرون كثيرا بهذه الحرفة، ويحرصون على توريثها للأجيال كلها.
لكن ذلك لم يمنعها من أن تضع لمساتها الخاصة والإبداعية عليها، حيث قالت إن "لاقطات الأحلام نجدها تباع في دول أوروبية وأميركية وتركيا، لكن التي أصنعها لها لمستها الخاصة بي، حيث إنني أفضل مزج الألوان، خصوصا أن المواد التي نصنع منها هذه اللاقطات غير متوفرة بشكل كبير في الجزائر، وأضطر إلى جلبها من الخارج، وفي كثير من الأحيان فإن الزبون هو الذي يختار الألوان، وبدوري أقترح عليه نظرتي للون الذي يكون خاصا به حتى يحس بأنه مخصص له فقط".
المواد التي تصنع منها نوال هذه اللاقطات غير متوفرة بشكل كبير في الجزائر فتضطر لجلبها من الخارج (شترستوك)
الحرفة اليتيمة
رغم النجاح الذي حققته، فإن نوال كشفت عن عراقيل قانونية لتسجيل هذه الحرفة، ما جعلها أشبه بـ"الحرفة اليتيمة"، وهي التي ردت على سؤال "الجزيرة نت" في إمكانية أن تكون لها علامة خاصة باسمها، فردت بإجابة أخرى، لم تكن متوقعة، وكشفت في الوقت ذاته عن إصرارها لتحقيق حلمها بـ"لاقطات الأحلام".
وقالت "بلى فكرت في علامة خاصة باسمي، لكن هنا في الجزائر عندما ذهبت للحصول على بطاقة حرفي تفاجأت برفضهم هذه الحرفة التي أختص بها لأنها ليست جزائرية، وحتى في ديوان حقوق التأليف رفضوا تسجيل حرفتي، واشترطوا أن تكون لها لمسة جزائرية، وأبلغوني أن القوانين الجزائرية الخاصة بالصناعات الحرفية لم تتغير منذ عدة عقود.