مدرسة "مير عرب" بناها الأمير سعيد بن عبد الله اليمني بين عامي 1530 و1536 م في بخارى بأوزبكستان الحالية (شترستوك)
لا تعرف اللغات الحدود، وتنتقل عبر بلدان وقارات العالم كرموز وإشارات وأدوات للمعرفة، ولأنها أهم وسائل التفكير والتواصل والتفاهم بين البشر فقد وجدت تاريخيا ألسنة عديدة خارج مواطنها الأصلية وحتى في أماكن بعيدة جدا عن مسقط رأسها.
ويستعرض هذا التقرير عددا من هذه اللغات التي رحلت بعيدا عن مواطنها الأصلية، إذ حملها الناطقون بها معهم وحافظوا عليها وورثها أبناؤهم، فيما اندثرت لغات أخرى خارج مواطنها الطبيعية وذابت في الثقافات الجديدة.


الويلزية في الأرجنتين

في الأرجنتين أقصى جنوب غرب العالم يتحدث بعض السكان اللغة الويلزية، إذ لا تزال تعد لغة رسمية إلى جانب الإنجليزية، فيما يتحدثها في باتاغونيا الأرجنتينية نحو 10% من السكان الذين ينحدرون من مهاجرين أتوا في القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20.



الويلزيون جلبوا معهم ثقافة الشاي الخاصة بهم إلى باتاغونيا الأرجنتينية (شترستوك)

وتوسعت المستعمرة الويلزية في باتاغونيا الأرجنتينية منذ وصلها مهاجرون ويلزيون بدءا من عام 1865 وامتدت على طول الطريق إلى جبال الأنديز، وحرص السكان الأوائل والأجيال اللاحقة على الحفاظ على لغتهم وثقافتهم في مجتمع ناطق بالإسبانية.


الألمانية في كازاخستان

عام 1762 انتزعت الأميرة الألمانية كاثرين الثانية عرش الإمبراطورية الروسية بعد الانقلاب على زوجها الإمبراطور الروسي بطرس الثالث واغتياله، ودعت الأميرة الأوروبيين إلى أن يهاجروا ويصبحوا رعايا روسا ويزرعوا الأراضي الروسية، مع الحفاظ على لغتهم وثقافتهم.
وإثر ذلك استقر عدد من الألمان على ضفاف نهر الفولغا منذ القرن الـ18 وسُمح لهم بالحفاظ على ثقافتهم ولغتهم وتقاليدهم وكنائسهم، لكن بنهاية القرن الـ19 بدأت الإمبراطورية الروسية في تطبيق سياسة الاندماج، مما أثر على ثقافتهم، وخلال العهد السوفياتي في القرن الـ20 رحل كثير منهم من جمهورية الفولغا الاشتراكية السوفياتية الألمانية المتمتعة بالحكم الذاتي إلى جمهورية كازاخستان، مع ضغوط للاندماج الثقافي الجبري في الثقافة الروسية، خاصة في عهد جوزيف ستالين وزمن الحرب العالمية الثانية.

ورغم الهجرات المتعاقبة لا يزال الألمان الكازاخيون يشكلون أقلية في البلاد ويعيش معظمهم اليوم في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد بين مدينتي نور سلطان وأوسكمان، وكان عددهم حوالي مليون نسمة وقت تفكك الاتحاد السوفياتي، ويشكلون الآن أكثر من 170 ألفا من سكان البلاد.


الألمانية في جنوب غرب أفريقيا

وعام 1880 استعمرت ألمانيا مناطق أفريقية باتت حاليا ضمن دول الكاميرون وتوغو وناميبيا، وتتمتع اللغة الألمانية بوضع رسمي في المجتمع الناميبي (جنوب غرب أفريقيا)، خاصة في وسط وجنوب البلاد، وكانت حتى عام 1990 واحدة من 3 لغات رسمية في ما كان يعرف آنذاك بجنوب غرب أفريقيا ، إلى جانب اللغتين الأفريكانية والإنجليزية المصنفتين أيضا ضمن عائلة اللغات الجرمانية.

وتعد الألمانية اللغة الأم لحوالي 30 ألف ناميبي إضافة إلى الأكبر سنا من الناميبيين السود الألمان والناميبيين الذين نشؤوا كأطفال في جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية).


الفرنسية في الهند

يعتبر الفرنسيون في الهند من آثار الوجود الفرنسي هناك، والذي بدأ عام 1673 بتأسيس شركة الهند الشرقية الفرنسية، واستمر حتى عام 1962 عندما عادت "المنشآت الفرنسية" رسميا إلى الهند.
كان الوجود الفرنسي دائما ضئيلا مقارنة بالوجود البريطاني، ولم يكن الفرنسيون في الهند عموما جزءا كبيرا من السكان.



مبانٍ لشركة الهند الشرقية في بونديشيري الهندية أواخر القرن الـ18 (مواقع التواصل)

وتنحدر أقلية صغيرة من مواطني الهند من أصل فرنسي تعود إلى زمن المستوطنين والمستعمرين الفرنسيين السابقين الذين استقروا في الهند منذ القرن الـ17، ولا يزال يوجد في بونديشيري مجتمع من الفرنسيين يعيشون في المدينة، والفرنسية هي أيضا لغة رسمية في الولاية الواقعة جنوب الهند.
ومع ذلك، تختلف الفرنسية الهندية كثيرا عن الفرنسية القياسية في النطق واللهجة، وتوجد فيها العديد من الكلمات الفريدة.


العربية خارج بلدانها

من شبه الجزيرة العربية جاء العرب قديما وحطوا رحالهم في الهند ووسط آسيا وشبه الجزيرة الإيبيرية، وبالطبع في المشرق العربي والشمال الأفريقي.




وكانت اللغة العربية جزءا مما حمله رجال الصحراء إلى أوروبا وآسيا وأفريقيا على حد سواء، فقبل الفتح الإسلامي كان هذا اللسان السامي لغة ثرية من الشعر في أرض قاحلة تطورت فيها مفردات هائلة وجعلت لعرب الصحراء كلمات كثيرة ومخزونا هائلا من المفردات لا يصعب معه التعبير، ولم يواجه الشعراء أي مشكلة في استخدام المجاز والتعابير البلاغية.
ويوجد العرب والناطقون بالعربية حاليا في مدن ذات أغلبية عربية في أجزاء مختلفة من قارتي آسيا وأفريقيا، وفي بلدان مجاورة للوطن العربي مثل تركيا وإيران وبلدان أفريقيا جنوب الصحراء وشرق ووسط آسيا وغيرها.
وأنشأ العرب بحلول القرن العاشر الميلادي مستوطنات تجارية على الساحل الشرقي لأفريقيا بدعم من سلطنة مسقط، واختلطوا بسكان هذه المناطق، فتأسست مجتمعات عربية أفريقية وتطورت لغة وثقافة سواحلية نتيجة لذلك الاختلاط.

وفي وادي النيل تأسست مجتمعات عربية أفريقية كذلك نتيجة تزاوج العرب مع أفارقة من مناطق السودان وبلاد النيل، وفي منتصف القرن الـ19 اختلط التجار العرب الذين عملوا في تجارة العاج وسط أفريقيا مع سكان مناطق الصحراء الكبرى.
وتعد مدينة هرر في شرقي إثيوبيا أكبر مدينة إثيوبية تضم عربا بين سكانها رغم أنهم ليسوا أغلبية، كما توجد كذلك أقلية عربية في منطقة أوغادين ذات الأغلبية المسلمة (المتنازع عليها بين إثيوبيا والصومال).
وتعد اللغة العربية أوسع اللغات انتشارا في تشاد، وهي لغة رسمية يتحدث بها رئيس البلاد بطلاقة، وتوجد في الدولة أكثر من 120 لهجة محلية محكية، لكن الدستور يعترف فقط باللغتين العربية والفرنسية كلغتين رسميتين.
ويتكلم اللهجة التشادية أكثر من مليون شخص في تشاد، وتتحدث بها أيضا أقليات في الكاميرون ونيجيريا والنيجر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان.




ويوجد قرابة 12% من السكان الناطقين بالعربية في السنغال ونسبة أقل في مالي والنيجر ونيجيريا، وهم لا يشكلون أغلبية في أي أقاليم هذه البلاد ومدنها.
ولم يبدأ الوجود العربي في بلاد فارس بالفتح الإسلامي عام 633 من الميلاد، فعلى مدى قرون كان الحكام الفرس على اتصال بجيرانهم العرب، خاصة في مناطق شمال الجزيرة العربية وجنوبها، وقد استقرت قبائل عربية لاحقا في أجزاء مختلفة من الهضبة الإيرانية.

وتنتشر لهجات مشتقة من العربية في آسيا الوسطى، ومنها اللهجات البخارية (يتحدث بها أكثر من 3 آلاف شخص) والقشقدارية اللتان يتحدث بهما في أوزبكستان وطاجيكستان، والخراسانية العربية التي يتحدث بها أكثر من 5 آلاف شخص في شرق إيران، واللهجة الأفغانية العربية في أفغانستان، ويعتقد أن أغلب تلك اللهجات تفرعت من اللهجات العراقية خلال العصر العباسي، إذ استقر العرب في مدن مثل بلخ ونيسابور وغيرها.
ويتحدث عرب إيران أيضا لهجات قريبة من لهجة الجزيرة الفراتية التي تشبه لهجة الموصل وعرب الأناضول أيضا.

ويوجد عرب الأناضول في مناطق مختلفة من جنوب تركيا الحالية ووسطها وجنوب شرقها، ويعد وجودهم فيها قديما نسبيا، ويتوزع عرب تركيا في مناطق أنطاكية وأضنة وماردين وعنتاب ومرسين وأورفا وغيرها.