درب زبيدة.. تعاون عراقي سعودي لإدراجه على لائحة التراث العالمي
درب زبيدة أحد أهم طرق الحج التاريخية في الجزيرة العربية (الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية)
يعد درب زبيدة أحد أهم طرق الحج التاريخية في الجزيرة العربية، الذي سلكته القوافل التجارية قديما، والتقت فيه مختلف الحضارات، وشهد مرحلة من التبادل الثقافي والمعرفي بين مختلف الأعراق.
ويقترب الطريق التاريخي الذي يربط بين الكوفة في العراق ومكة المكرمة في السعودية، من تسجيله ضمن لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، حيث يواصل البلدان تعاونهما لإنهاء ملف إدراجه.
وعقد البلدان في 16 يونيو/حزيران الماضي الاجتماع التنسيقي الافتراضي الأول لفريق العمل المشترك بين البلدين، لمشروع إدراج طريق الحج القديم (درب زبيدة) على لائحة التراث العالمي كموقع تراث مشترك عابر للحدود.
درب زبيدة يعد من الشواخص الإسلامية المهمة باعتباره إرث معماري وتراثي (الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية)
تعاون سعودي عراقي
ويعد مشروع إدراج درب زبيدة على لائحة التراث العالمي كموقع ثقافي مشترك متسلسل وعابر للحدود بين العراق والسعودية من المشاريع الأثرية الكبرى على المستوى الإقليمي والعربي، حيث وقع البلدان اتفاقا أوليا للسير بهذا المشروع الذي يعد مدخلا حقيقيا للتعاون وتطوير العلاقات الثنائية، بحسب رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث في العراق الدكتور ليث مجيد حسين.
ويضيف للجزيرة نت أن التعاون العراقي السعودي في هذا المشروع على مستوى عال من التنسيق والعمل الوزاري بين وزارتي الثقافة في الدولتين، وكذلك بين الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية وهيئة التراث السعودية، ويشتمل على الدعم المعلوماتي وتبادل الخبرات بين الجانبين والتعاون المشترك لإعداد الملف الذي سوف يقدم إلى منظمة التراث العالمي.
وينوه حسين إلى أنه تم إجراء العديد من الاجتماعات الافتراضية في الفترات الماضية، كان أهمها في 18 يوليو/تموز الماضي، حيث تم مناقشة المشروع بشكل عام والجدول الزمني المعد لمراحل إكمال فقرات العمل التي تم الاتفاق عليها للذهاب إلى إنهاء ملف الترشح المشترك وتقديمه إلى منظمة التراث العالمي.
الدكتور ليث حسين أكد أنه تم تحديد 13 موقعا تاريخيا ضمن مشروع إدراج درب زبيدة على لائحة التراث العالمي
مواقع أثرية
واتفقت اللجان المختصة من العراق والسعودية على اختيار مجموعة من المواقع الأثرية على طول طريق الحج القديم الممتد بين الكوفة ومكة المكرمة، حيث تم تحديد 13 موقعا على جانبي الحدود.
ويبين رئيس الهيئة العامة للآثار العراقية أن اختيار المواقع تم على أساس المعايير العالمية التي أقرتها منظمة التراث العالمي ومنظمة اليونسكو، حيث شملت كافة هذه المناطق المختارة على عناصر الأصالة والسلامة والثراء المادي للمعالم التاريخية الأثرية.
اتفقت لجان البلدين على اختيار مجموعة من المواقع الأثرية على طريق الحج القديم (الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية)
وشملت المواقع التي جرى اختيارها في الجانب السعودي -وفق حسين- على 9 مواقع، هي بركة الثميلة وبركة الجميماء وقرية زُبَالا، وامتداد الطريق المعبدة بين بريكة العشار وبركة العرائش، ومنطقة فايد، وبركة الجفنية في النقرة، والربداحة والخربة، وقرية صَفْينة.
وأما الجانب العراق فاقتصر على 4 مواقع، وهي محطة أم القرون، ومحطة الطلحات، محطة شراف، محطة العقبة الحدودية.
ويؤكد حسين أهمية هذه المواقع المختارة لما تضمه من عناصر تاريخية وتراثية ومنشآت أثرية مهمة وشاخصة، يمكن من خلالها إبراز وقراءة البعد التاريخي والإنساني والتراثي لهذه المناطق، فضلا عن أن بعضها ضارب في القدم ويمثل الحضارات التي كانت موجودة قبل استحداث هذا الطريق في العصر العباسي.
وعن إعادة تأهيل هذه المواقع، يقول حسين إن الهيئة تستعد لاتخاذ إجراءات سريعة ووقائية لحماية هذه المواقع بشكل أولي، من خلال أعمال التسييج للمواقع وتحديد حدودها الإدارية والمنطقة المحرمة المحيطة بها، وعمل المسوحات والتوثيق، ووضع خطة تنقيب ومسح على المدى المتوسط والطويل.
ويشير إلى أن الجانب العراقي لديه اطلاع بأعمال الجانب السعودي في هذه الحقول، وهناك تعاون وثيق مع الخبراء الدوليين المعتمدين في كلتا الدولتين، وكذلك الطموح إلى زيادة مستوى التعاون كما ونوعا.
يسعى البلدان لإنهاء متطلبات تسجيل درب زبيدة ضمن لائحة اليونسكو للتراث العالمي (الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية)
لائحة التراث
وحول موعد إدراج الطريق على لائحة التراث العالمي، يعتقد الباحث في التراث والتاريخ حسين الشيباني، أنه حسب الاستطلاعات والبوادر من قبل الحكومة السعودية من المتوقع أن يتم الإدراج خلال العامين المقبلين.
ويشدد الشيباني في حديثه للجزيرة نت على أهمية وضع درب زبيدة في قائمة اليونسكو للتراث، للبلدين من ناحية العراق أو السعودية، وهو إضافة عربية تضاف للائحة التراث العالمي.
سلكت القوافل التجارية قديما درب زبيدة والتقت فيه مختلف الحضارات (الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية)
ويضيف أن هذا الدرب له الكثير من الذكريات المهمة من التاريخ الإسلامي، ويعتبر من معالم التطور المعماري في التراث الإسلامي من خلال العديد من المنشآت الهندسية على طول الطريق من الكوفة إلى مشارف البيت الحرام.
ويتابع حديثه "هناك العديد من المؤهلات التي ترشح درب زبيدة التأريخية لإدراجه على لائحة اليونسكو كونه من الشواخص الإسلامية المهمة باعتباره إرثا معماريا، ولكونه فكرة إنسانية عظيمة بنيت من فكرة بسيطة وهادفة غايتها إحياء المبادئ الإنسانية والحث على التعاون وإحياء الآخر.
ويلفت الباحث إلى أن اليونسكو اشترطت تأهيل هذا الدرب على المعايير العالمية وضمن شروط محددة، محذرا من أن ترميمه بطرق بدائية تبعد هذا المشروع عن هذه اللائحة المهمة.
ويعرب الشيباني عن اعتقاده بأن إضافة درب زبيدة إلى لائحة التراث العالمي سوف تساهم في جذب انتباه العالم إلى هذا المشروع الإنساني والمعماري الفريد، والذي سيؤدي بدوره إلى زيادة الحركة السياحية وتقوية العلاقات الاجتماعية بين العراق والسعودية، كما أن له العديد من الفوائد على كل الأصعدة.
الطريق التاريخي يربط بين الكوفة في العراق ومكة المكرمة في السعودية (الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية)
أعظم عمل نسائي
من جانبه، يقول المنقب الأثري كرار الروازق، إن هذا الدرب ينسب إلى زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور، زوجة الخليفة هارون الرشيد، التي أسهمت في عمارته فكان أن خلد ذكرها على مر العصور، باعتباره من أهم طرق الحج والتجارة خلال العصر الإسلامي.
ويضيف الروازق في حديثه للجزيرة نت أن درب زبيدة من أعظم الأعمال الإنسانية على مر التاريخ، والذي قيل فيه آنذاك "لو أن أعمى سلك الطريق على رجليه لوصل إلى مكة".
ويقطع الدرب مسافة 1276 كيلومترا، ويمر بـ54 محطة ومنزلا، تتضح فيه براعة المهندسين المسلمين وذلك من خلال استقامة الطريق وأعمال الدك والتسوية والتمهيد.
وزار فريق فرنسي تابع لليونسكو، في مايو/أيار الماضي، طريق الحج القديم (درب زبيدة)، واطّلع على المواقع الأثرية التي يزيد عمرها على ألف عام.
يشمل طريق زبيدة العشرات من محطات الاستراحة التي فيها برك مياه وآبار (الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية)
ويبيّن الروازق أن الخبراء الفرنسيون "أبدوا دهشتهم حال رؤيتهم تلك المحطات وأخبرونا أنها في حالة أفضل.. من ناحية الأصالة والحفظ والعمران واستغلال الطبيعة وبطون الأودية لتخزين المياه في بحيرات وخزانات كبيرة جدا مشيدة بالحجر، مع وجود نظم للتنقية والسيطرة والتوزيع لتلك المياه المخزنة، وكذلك الحال بالنسبة لمئات الآبار التي تم حفرها ولأعماق قد تتجاوز 200 متر".
وأعرب عن أمله في أن تكون هذه المشاريع باكورة تعاون ثقافي وفكري، وخاصة أن العراق يحتوي على آلاف المواقع الأثرية وله خبرة كبيرة بالتعامل مع المواقع المهمة.
محطات استراحة
بدوره، يقول عضو جمعية هيت للتراث والثقافة لبيب يوسف عبد الرزاق إن الحجاج كانوا يسلكون هذا الطريق الذي يربط ما بين مكة والحيرة، قادمين من الدول الآسيوية، لكنه كان يعاني الإهمال، فحاولت السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد إعادة تأهيله، بعد أن ذهب هارون الرشيد للحج عدة مرات بمعية زوجته فسلكوا هذا الطريق وكانت تواجههم صعوبات ومعوقات كثيرة.
عبدالرزاق: كان الحجاج يسلكون هذا الطريق الذي يربط ما بين مكة والحيرة قادمين من الدول الآسيوية
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن هذا الطريق بعد تأهيله اشتمل على الكثير من محطات الاستراحة التي يصل عددها إلى 28 محطة استراحة كبيرة، وبينها ينتشر عدد كبير من المحطات الصغيرة، وفيها برك المياه ومختلف الوسائل التي تسهل طريق الحج.
ويشير عبد الرزاق إلى أن برك المياه الموجودة صممت بأشكال هندسية متنوعة، وتأخذ مخزونها من مياه الأمطار والسيول، وقسم منها يعتمد على المياه الجوفية.
ويلفت إلى أن عمليات تأهيل درب زبيدة كانت تتطلب جهودا كبيرة وتخللها رصف الحجارة ونحت بعض التلال الموجودة، لأجل تسهيل أمر وصول الحجاج إلى الديار المقدسة وإيابهم منها.