لماذا ننتمي إلى أوطان لا تقدرنا؟!
منذ سنوات مراهقتي الجامحة بدأت أتأمل وأتساءل عن ماهية العلاقة التي تربطني بهذا الوطن الذي ملكني ولم أملكه يوما،
أَنَمُوتُ ليحيا الوطن؟
وما الوطن إن لم يكن لأبنائه منبعاً للأمن والسلام؟
تشغلنا هذه الأسئلة الوجودية التي تَعَوَّدْنَا التعايش معها، تطل علينا من حين لآخر ونحن غارقون في ركاكة الحياة اليومية،
فتنتشلنا من رتابتها القاتلة لتغرقنا في بحر من الشكوك.
قال نجيب محفوظ: "وطن المرء ليس مكان ولادته
، ولكنه المكان الذي تنتهي فيه كل محاولاته للهروب"، لكننا شعوب كُتِبَ عليها الهروب أينما حَلَّت وارْتَحَلَت،
نهرب من الوطن، سجننا الكبير، إلى منفى أكبر وأشد قسوة،
يتبرأ مِنَّا الوطن قبل أن يتسنى لنا أن نتبرأ منه أو نحرق أوراقنا الثبوتية ونركب زوارق الأوهام.
يقابلنا في الضفة الأخرى من يشتمّون رائحة خوفنا، ويقتاتون على يُتم الأوطان، الذي رمى بنا إلى حيث لا ننتمي،
ثم نعتاد على كوننا أنصاف بشر، أنصاف مواطنين ولاجئين دون هوية
الغريب في الأمر أننا لا نقوى على التنكر لهذا الوطن بكل ويلاته وتشوهاته العاطفية ونكرانه لنا،
ولا نقوى على الانصهار بشكل كامل في "وطننا الجديد"، ذاك الذي وهبنا فرصة الحياة بعد موت وشيك.
لطالما تساءلت: "أنحن العدميون أم أن الوطن عدمٌ أساساً؟"
لم أجد الكثير من الأجوبة المقنعة في بحثي المضني عن الوطن، لكنني اكتشفت سراً لا يدركه الكثير،
فالوطن هو الوهم الذي تعلقنا به طمعاً في حياة كالحياة،
أما الوطن بما تعنيه هذه الكلمة من انتماء وأمن وسلام فهو غائب إلا في أشعارنا الحالمة ومقالاتنا الزائفة التي تنضح كذباً وبهتاناً.
ما الوطن إلا سجن يكبل طموحاتنا ويحصر وجودنا في مجال جغرافي معين
، يلقننا حراس السجن/الوطن مبادئ التعلق والإخلاص لجلّادينا ويسمونها وطنية.