الدول التي تطلق الصواريخ والأقمار الصناعية والمركبات الفضائية "تصدّر" مخاطر مهامها الفضائية إلى باقي دول العالم، خاصة دول الجنوب الفقيرة.
سلامة سكان الأرض من الخطر المحدق بهم من النفايات الفضائية لا يحظى بالقدر الكافي من الاهتمام (شترستوك)
نحن في ذروة سباق فضائي محموم بين الصين واليابان والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا وكندا، ولم يعد يقتصر على الوكالات الفضائية الحكومية بعد أن دخلت فيه أيضا الشركات الخاصة من مختلف الدول، ومن المتوقع أن نشهد خلال العقود المقبلة ازدياد هذا التنافس على مختلف الأصعدة.
27 ألف قطعة من النفايات
في خضم كل ذلك، ثمة خطر لا يحظى بالقدر نفسه من التنافس؛ ألا وهو سلامة سكان الأرض من الخطر المحدق بهم من السماء من النفايات الفضائية؛ فوكالة ناسا الدولية للفضاء نفسها تؤكد على موقعها أن مجسات شبكة مراقبة الفضاء العالمية التابعة لوزارة الدفاع ترصد ما يزيد على 27 ألف قطعة من النفايات المدارية حول الأرض.
وهذا العدد لا يمثل كل النفايات الفضائية، فهناك آلاف غيرها في طبقات الغلاف الجوي القريبة من الأرض، وهي صغيرة إلى حد لا تستطيع هذه المجسات رصدها، وفي الوقت نفسه كبيرة إلى حد يهدد رحلات السفر البشرية إلى الفضاء ومهام الروبوتات الفضائية.
سرعات هذه القطع تصل إلى 25 ألف كيلومتر في الساعة في المدارات الأرضية الدنيا (شترستوك)
وتصل سرعات هذه القطع إلى 25 ألف كيلومتر في الساعة في المدارات الأرضية الدنيا؛ فلو أن قطعة مهما كانت صغيرة بهذه السرعة اصطدمت بالمحطة الفضائية الدولية فإنها قادرة على إحداث أضرار جسيمة.
وتتحدث "ناسا" عن خطر النفايات الفضائية على الأقمار الصناعية والمحطة الفضائية الدولية والمركبات الفضائية المسافرة من الأرض وإليها. ولكن ماذا عن مخاطر قطع النفايات الشاردة على سكان الأرض، ولا زالت ذكرى الهلع العالمي من سقوط الصاروخ الصيني العملاق في المناطق المأهولة ماثلة في الأذهان.
ورغم أن حوادث سقوط قتلى أو جرحى بسبب المخلفات الفضائية الساقطة لم تحدث خلال 50 عاما الماضية لأن هذه القطع تحترق في الغلاف الجوي، فإن احتمالات حدوث ذلك تزداد يوما بعد يوم، ونحن على أعتاب موجة واسعة مرتقبة من رحلات السفر المتكررة من الأرض إلى الفضاء، وإطلاق المزيد من الأقمار الصناعية وسقوط هذه النفايات في المجال الجوي للأرض لتشكل خطرا لا يُحمد عقباه، سواء للناس على الأرض أو حتى الطائرات التجارية وطائرات الركاب.
احتمالات سقوط النفايات
كانت احتمالات هذه الحوادث موضوع دراسة حديثة نشرتها مجلة "نيتشر أسترونومي" (Nature Astronomy) العلمية، إذ توصلت الدراسة إلى أن هناك احتمالا -نسبته 10%- أن يشهد العقد القادم سقوط نفايات فضائية تقتل شخصًا ما.
أغلب الحطام الفضائي المتساقط يقع في بلدان حول خط الاستواء وتحته (شترستوك)
وتتبعت الدراسة البيانات المبلغ عنها حول عمليات الإطلاق الفضائية وأجسام الصواريخ المهجورة التي تدور حول الكوكب، وذلك من أجل حساب الخسائر المحتملة من إعادة دخول تلك الأجسام؛ ومن بين العديد من الاستنتاجات المثيرة للقلق أظهرت الأرقام أن أغلب الحطام الفضائي المتساقط يقع في بلدان حول خط الاستواء وتحته، في ما يسمى "الجنوب العالمي"؛ إذ إن العديد من هذه البلدان في أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا وأوقيانوسيا لا تطلق الأقمار الصناعية والصواريخ، ناهيك عن تشغيل برامج فضائية خاصة بها.
وعند عودة الأجزاء السليمة إلى الأرض ينجو جزء كبير من كتلتها من حرارة الدخول إلى الغلاف الجوي على شكل حطام، ومن المحتمل أن تكون العديد من القطع الباقية قاتلة، وتشكل مخاطر جسيمة على الأرض والبحر وعلى الأشخاص في الطائرات.
ويرجع سبب هذا التفاوت في التأثير إلى حد كبير إلى علم بسيط؛ فالعديد من عمليات الإطلاق التي تؤدي إلى خروج العديد من قطع النفايات الفضائية عن السيطرة أثناء عودتها إلى الأرض تحدث بالتزامن مع مدار الأرض ودورانها، وتعرف باسم المدارات المتزامنة مع الأرض، ويتركز الحطام المتساقط على هذا المدار الذي يلقي بثقله حول المناطق الاستوائية.
ووجدت الدراسة أن احتمالية تعرض المناطق الاستوائية في جاكرتا (إندونيسيا) ودكا (بنغلاديش) ومكسيكو سيتي (المكسيك) وبوغوتا (كولومبيا) ولاغوس (نيجيريا) لحطام النفايات الفضائية أكبر 3 أضعاف على الأقل من بكين وموسكو وواشنطن ونيويورك.
الوكالات الفضائية والشركات تسمح بدخول الحطام الفضائي إلى الغلاف الجوي لخفض التكاليف (شترستوك)
تخفيضات الشمال يتحملها أهل الجنوب
وتختم الدراسة بإبداء رأيها في أن التطور التكنولوجي الأخير وتصميم المهام الفضائية يجعلان السقوط العشوائي خارج السيطرة لقطع النفايات الفضائية على سطح الأرض أمرا من الماضي، لكن الوكالات الفضائية والشركات تسمحان بدخول الحطام الفضائي إلى الغلاف الجوي لخفض التكاليف بدل استخدام التكنولوجيا المتقدمة، مما يعني أن الدول التي تطلق الصواريخ والأقمار الصناعية والمركبات الفضائية "تصدّر" مخاطر مهامها الفضائية إلى باقي دول العالم، خاصة دول الجنوب الفقيرة.
وتطلب الدراسة من حكومات هذه الدول التي يتعرض شعوبها لمخاطر سقوط النفايات الفضائية على الأرض أن تتكاتف لكي تلزم الدول التي تطلق الصواريخ والمركبات الفضائية بتطبيق الوسائل التي تحول دون سقوط قطع هذه الصواريخ من دون رقابة أو سيطرة، وتفرض على هذه الدول عقوبات أو غرامات إذا لم تلتزم بهذه الضوابط، وذلك من أجل صون الأرواح التي قد تزهق بسبب قطعة صاروخ شاردة من السماء.