الإجابة على هذا السؤال تتوقف على توضيح معنى (الحاجة) فقد تكون حاجة السائل في شيء والحاجة إلى الإمام المهدي في شيء آخر، ويبدو من صيغة السؤال أن حاجة السائل من الإسلام تتلخص في التكاليف الشرعية من أحكام العبادات والمعاملات، وعندما وجد ذلك متحقق تسائل عن الحاجة إلى الإمام المهدي، وفي ذلك تلخيص مخل لفلسفة الإسلام وغاياته الكبرى، بل حتى الأحكام الشرعية لا يمكن فهمها إلا ضمن الفلسفة الكبرى لرسالة الإسلام، الأمر الذي يقودنا إلى السؤال من جديد عن حاجة العباد إلى الإسلام؟
وبعيداً عن التفصيل في هذه القضية يمكننا تلخيص ذلك بالقول إن جميع رسالات الله تستهدف إقامة الحق والعدل في الأرض، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)، وقال تعالى: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) وقال تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ)، وكثير هي الآيات التي تؤكد على أن الله لم يخلق الدنيا لتكون موطناً للظلم والفاسد، وإنما جعلها لإقامة القسط والعدل تحت قيادة عباده الصالحين، وإن الصراع بين الحق والباطل لابد أن ينتهي بانتصار الحق وهزيمة الباطل، قال تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) والنور لا يكون تاماً إلا إذا تبددت كل ظلمات الباطل ولم يبقى إلا نور الحق، وهذا وهو وعد الله الذي قطعه على نفسه عندما قال: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)، وقال تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ)، وقال: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)
وعليه الحاجة إلى الإمام المهدي (عليه السلام) هي الحاجة إلى ذلك اليوم الذي تتحقق فيها أهداف جميع الرسالات، وهذا لا يمكن تحقيقه بمجرد وجود قرآن وسنة وعلماء يستنبطون منها الاحكام الشرعية، وإنما لابد من وجود خليفة الله ووريث الأنبياء الذي أدّخره الله لذلك اليوم حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ومن هنا يمكننا أن نتفهم التأكيد الشيعي على قضية الإمام المهدي (عج)، بوصفه المستقبل النهائي لتكاملية المسيرة الإسلامية، إذ كيف يمكن الحديث عن رسالة خاتمة دون الحديث عن مالاتها النهائية، من هيمنة الحق وكسر شوكة الظلم.