المرشدات‮ ‬الدينيات‮.. ‬عددهن‮ ‬قليل‮ ‬وتأثيرهن‮ ‬كبير‮ ‬



منذ أن استحدثت وزارة الشؤون الدينية وظيفة مرشدة دينية سنة 2002، أصبحت الجزائر أول دولة إسلامية تمسك المرأة زمام الارشاد والاصلاح والوعظ الديني، ليس في المساجد وحسب، وإنما في السجون والأحياء الجامعية للبنات، وحتى البيوت التي بعثرتها الخلافات، ناهيك عن مهمة تعليم القرآن الكريم للأطفال والنساء، ومرافقة المسنات إلى بيت الله الحرام لإرشادهن إلى كيفية آداء مناسك الحج، وكذا المساهمة في النشاطات الاجتماعية للمستشفيات ودور العجزة. ومع صدور مرسوم قانوني سنة 2008 يتضمن استحداث رتبة مرشدة دينية رئيسية، أصبح بإمكان المرشدات الحائزات على شهادة جامعية في الشريعة الإسلامية الرد على استفسارات واستفتاءات النساء اللائي يتحرجن من طرحها على الرجال، إلا ما استشكل على المرشدات، فإنهن يقمن بتحويلها إلى هيئة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية.هذه هي وظيفة المرشدات الدينيات اللواتي بلغ عددهن 300 مرشدة يتوزعن عبر 16 ألف مسجد، وهو عدد قليل بالنظر إلى حاجة المجتمع الجزائري إلى هذا النوع من الإرشاد والوعظ الذي يتوغل في عمق الأسرة الجزائرية التي بدأت تتمزق أواصرها، وتفقد دورها الريادي في التأثير على أبنائها، الأمر الذي تسبب في انحراف عدد كبير من الفتيات اللواتي وجدن أنفسهن نزيلات في الشوارع الظالمة، والزنازين المظلمة، لتأتي المرشدة الدينية لتصلح ما انكسر في حياة هؤلاء الفتيات والنساء. "الشروق" تحدثت إلى ثلاث مرشدات دينيات بثلاثة مساجد مختلفة بولاية سطيف،‮ ‬عن‮ ‬أهم‮ ‬إنجازاتهن‮ ‬خلال‮ ‬توليهن‮ ‬هذه‮ ‬الوظيفة،‮ ‬فكان‮ ‬الرد‮: ‬سجينات‮ ‬يذرفن‮ ‬دموع‮ ‬الندم‮ ‬أمام‮ ‬المرشدات‮ ‬حسيبة خالد ذات الـ45 سنة، مرشدة دينية رئيسية بمسجد "مالك بن أنس" بالعلمة، منذ 22 سنة، هذه السنوات الطويلة في حقل الإرشاد مكنتها من اقتحام أسوار السجون لإعادة تأهيل السجينات اللواتي تورطن في جرائم مختلفة، وترغيبهن في التوبة والأوبة إلى الله، عبر دروس تتحدث عن حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، وتنظيم مسابقات في حفظ القرآن الكريم وتجويده، بينما يخصص يوم 8 مارس للحديث عن دور المرأة في إصلاح المجتمع، ومن خلال انتدابها على مستوى السجون، لاحظت حسيبة أن السجينات ينقسمن إلى قسمين: قسم غير مهتم إطلاقا بالدروس التي تلقى من طرف المرشدات الدينيات. أما القسم الثاني فيتأثر ويذرف دموع الندم، ويرغب في التوبة، على غرار السجينات اللواتي جمعن أموالهن من مصدر حرام كالدعارة، حيث يستفتين حول كيفية التخلص من هذه الأموال، وكيف السبيل إلى العيش الحلال بعد الخروج من السجن، إذا كانت‮ ‬البيوت‮ ‬التي‮ ‬يملكنها‮ ‬مصدرها‮ ‬حرام،‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬الحالة‮ ‬تقوم‮ ‬المرشدات‮ ‬بتحويل‮ ‬الاستفتاء‮ ‬الى‮ ‬المجلس‮ ‬العلمي‮ ‬على‮ ‬مستوى‮ ‬مديرية‮ ‬الشؤون‮ ‬الدينية‮ ‬بسطيف‮.‬ولعل من الحالات التي علقت في ذهن المرشدة حسيبة، أن إحدى السجينات التي لم تتمكن من معرفة جرمها، تابت إلى الله بعد أن داومت على حضور الدروس، واجتهدت في حفظ القرآن الكريم، وأصبحت تصلي بالسجينات صلاة التراويح، كما حازت على شهادة البكالوريا في السجن، والآن تتابع دراستها الجامعية بكلية الحقوق. ومن الحالات التي مرت على حسيبة خالد في المسجد، حالة امرأة سبق لها الزنا، حيث أبدت رغبتها في التوبة وأصبحت تداوم على حضور الدروس، وحالة أخرى لأم أطفال مدمنة على التدخين، جاءت إلى المسجد وهي في حالة نفسية سيئة، وشيئا فشيا أقنعتها‮ ‬المرشدة‮ ‬بترك‮ ‬التدخين‮ ‬والعودة‮ ‬الى‮ ‬الله‮.‬‭ ‬أنقذت‮ ‬عائلة‮ ‬من‮ ‬التنصيرراضية هلال 33 سنة، مرشدة متطوعة منذ 10 سنوات تقريبا بمسجد "البشير الابراهيمي" ببلدية بوقاعة، وبالإضافة إلى إشرافها على المدرسة القرآنية بالمسجد، استطاعت أن تنقذ عائلة من اعتناق المسيحية، فبعد أن بلغتها إحدى طالباتها أن جيرانهم على وشك أن يرتدوا عن الاسلام، وقد بدأوا فعلا في ممارسة بعض الطقوس التي تتعلق بالنصارى تحت تأثير الابن الذي عاد من الخارج وهو يحمل المسيحية في حقائبه، قامت المرشدة الدينية باستدعاء الأم وابنتيها إلى المسجد بحجة عرض زواج، ثم فاتحتهن في موضوع التنصير، وحدثتهن بإسهاب في أمور تتعلق بالعقيدة،‮ ‬الأمر‮ ‬الذي‮ ‬جعلهن‮ ‬يعلن‮ ‬توبتهن،‮ ‬ويعبرن‮ ‬عن‮ ‬ندمهن‮ ‬الشديد‮ ‬وخوفهن‮ ‬من‮ ‬الله،‮ ‬وكانت‮ ‬لديهن‮ ‬القدرة‮ ‬على‮ ‬إقناع‮ ‬بقية‮ ‬أفراد‮ ‬الاسرة‮ ‬بترك‮ ‬المسيحية،‮ ‬والعودة‮ ‬إلى‮ ‬الإسلام‮.‬وتتذكر جيدا راضية هلال تلك الفتاة ذات الـ30 سنة من العمر، التي جمعها بها القدر في الشارع دون أي ترتيب، وتقول: "تتبعت خطاي إلى المسجد بعد أن كانت تسير في الاتجاه المعاكس، دون أن يكون لي بها سابق معرفة، وسألتني إذا كنت مستعدة للإصغاء إليها قبل أن تقتل نفسها". تضيف راضية: "أبديت اهتماما كبيرا بما ستقوله، وعرفت أنها تحمل سما قاتلا، وفي نيتها أن تشربه بين المغرب والعشاء لتتخلص من حياتها، بعد أن ارتكبت خطيئة مع شخص وعدها بالزواج ثم تخلى عنها، وكتبت رسالة وداع لعائلتها تتضمن أسباب إقبالها على الانتحار". وهنا تدخلت‮ ‬المرشدة‮ ‬الدينية‮ ‬لإقناعها‮ ‬بالتراجع‮ ‬عن‮ ‬التفكير‮ ‬في‮ ‬الانتحار،‮ ‬بتذكيرها‮ ‬بعقاب‮ ‬الله‮ ‬للمنتحر،‮ ‬وترغيبها‮ ‬في‮ ‬رضاه،‮ ‬وتخلت‮ ‬الفتاة‮ ‬عن‮ ‬فكرة‮ ‬الانتحار،‮ ‬وأصبحت‮ ‬طالبة‮ ‬في‮ ‬المدرسة‮ ‬القرآنية‮.‬‭ ‬