البحث في حلول لمواجهة التلوث البلاستيكي في المياه العذبة مُهمَل للغاية (غيتي)
النفايات البلاستيكية هي إحدى المشكلات البيئية الجسيمة، ودائما ما يسلط المجتمع العلمي الضوء على التلوث البلاستيكي في المحيطات والبحار، بيد أن البحث في حلول لمواجهة التلوث البلاستيكي في المياه العذبة مُهمَل للغاية.
لذلك أجرى علماء من جامعة كامبريدج (University of Cambridge) دراسة عن دور البكتيريا في التغلب على النفايات البلاستيكية في البحيرات العذبة، وقد نشرت نتائجها دورية "نيتشر كوميونيكشنز" (Nature communications) يوم 26 يوليو/تموز الماضي.


عناصر كيميائية تساعد البكتيريا على النمو

وقد أفاد البحث بأن المواد الكيميائية التي يتكون منها البلاستيك تساعد البكتيريا على النمو بوتيرة أسرع في البحيرات، والتي وصفها الباحثون بأنها قد تكون محاولة ناجحة للتخلص من النفايات البلاستيكية بطريقة طبيعية من المياه العذبة.
يقول أستاذ علم النبات بجامعة كامبريدج والمشرف العام على الدراسة أندرو تانينتزاب في البيان الصحفي إن النتائج "أظهرت تأثير التلوث البلاستيكي على المياه العذبة، وقد بدا لنا أن شهية البكتيريا تزداد مع التلوث البلاستيكي".



المواد البلاستيكية عبارة عن مواد كيميائية عضوية وهي البوليمرات الصناعية (غيتي)

والمواد البلاستيكية عبارة عن مواد كيميائية عضوية، وهي البوليمرات الصناعية وأساس تركيبها عنصرا الكربون والهيدروجين، مثل مادة البولي إيثيلين والبولي بروبيلين، وهي مواد غير قابلة للتحلل. ويحتوي البلاستيك على مواد أخرى تعطيه خصائصه مثل الألوان الصناعية والملدنات والتي يمكن أن تتحلل.
وعندما يتحلل البلاستيك، فإنه يعود إلى صورته الأولى على شكل مركبات كربون بسيطة، لكنها تختلف قليلا عن تلك المواد العضوية الطبيعية مثل الأغصان والأوراق. وقد اختبر الباحثون تأثير تلك المركبات على البكتيريا في 29 بحيرة موجودة في الدول الإسكندنافية.


جمع عينات البلاستيك والماء

وجد الباحثون أن الأكياس البلاستيكية هي المصدر الرئيسي للتلوث البلاستيكي في البحيرات، لذلك وقع اختيارهم عليها لإجراء تجربتهم، وقد حصلوا على الأكياس من 4 متاجر تسوق بريطانية كبرى. وعادة ما تُصنع الأكياس البلاستيكية من مادة البولي إيثيلين والبولي بروبيلين، وهي مادة بوليمرية تدخل في صناعة 34% من البلاستيك في الأسواق.



جمع الباحثون عينات من 29 بحيرة في الفترة بين أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2019 (صامويل وودمان-جامعة كامبريدج)

وقد جمع الباحثون عينات من 29 بحيرة في الفترة بين أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2019، وكانت اختيارهم لتلك البحيرات مبنيا على اختلافها في الموقع الجغرافي، والعمق، والمساحة، ومتوسط درجة حرارة السطح، ونوع المواد العضوية بها.
بعد ذلك وضع الباحثون الأكياس في ماء عذب، وقاموا بتحريك وتقليب الأكياس بداخله لكي تنطلق جزيئات المواد الكربونية منها إلى الماء، وأشاروا إليه (بالماء البلاستيكي). وبعدها، جاؤوا بقوارير زجاجية مملوءة بعينات البحيرات، ووضعوا في نصف عددها كمية ضئيلة من الماء البلاستيكي وفي النصف الآخر أضافوا ماء مقطرا، واحتفظوا بالزجاجات في مكان مظلم لمدة 72 ساعة.


نتائج التجربة

وبعد مرور 72 ساعة، قام الباحثون بقياس النشاط البكتيري وكفاءة نمو البكتيريا في القوارير من خلال كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة أثناء النمو، ووجدوا أن البكتيريا في عينات (الماء البلاستيكي) تضاعفت 2.29 مرة أكثر من العينات الأخرى، وامتصت تقريبا نصف كمية عنصر الكربون من العينات.




وأوضح أندرو أن "نتائج الدراسة تشير إلى أن التلوث البلاستيكي يلعب دورا في تحفيز الشبكة الغذائية بأكملها في البحيرات، لأن بعض الكائنات مثل الأسماك والبط تتغذى على البكتيريا، وتضاعف حجم البكتيريا يعني تضاعف كمية الغذاء لتلك الكائنات".

التلوث البلاستيكي يلعب دورا في تحفيز الشبكة الغذائية بأكملها في البحيرات (غيتي)
وقالت الباحثة الأولى في الدراسة إليانور شيريدان في البيان الصحفي "تُظهر دراستنا أنه عندما تدخل الأكياس البلاستيكية إلى البحيرات والأنهار، يمكن أن تتسبب في تأثيرات دراماتيكية وغير متوقعة على النظام البيئي بأكمله، ونأمل أن تشجع نتائجنا الناس على أن يكونوا أكثر حرصا في التخلص من النفايات البلاستيكية"، وحذر العلماء من تأثر بعض المركبات في البلاستيك على البيئة، خاصة إذا وُجدت بتركيزات مرتفعة.
وبسؤال الباحث أندرو تانينتزاب عبر البريد الإلكتروني عن ماهية هذه المواد وتأثيرها على الكائنات المائية والإنسان ومدى خطورتها إذا تغذت عليها البكتيريا، قال للجزيرة نت "وجدنا مركبات ملوثة ومثيرة للقلق، مثل مركب الفثالات (phthalates)، التي تغذت عليه البكتيريا بالفعل، وليس لدينا علم إلى الآن بكيفية تراكم هذه الأنواع من المركبات بيولوجيا في شبكات الغذاء، والمخاطر التي ستشكلها على صحة الكائنات المائية وكذلك على البشر".
والفثالات هي أملاح وإسترات حمض الفثاليك، وهي من الملدنات التي تضاف أثناء صناعة اللدائن من أجل زيادة مرونتها وشفافيتها وفترة استخدامها.

يمكن استغلال أجناس معينة من البكتيريا لإزالة النفايات البلاستيكية من البيئة (الفرنسية)
أنواع البكتيريا وتأثيرها على إزالة النفايات البلاستيكية
وأظهرت نتائج الدراسة أنه يمكن استغلال أجناس معينة من البكتيريا لإزالة النفايات البلاستيكية من البيئة، ويختلف تأثير البكتيريا اعتمادا على أنواعها، وكانت البحيرات ذات الأنواع المتنوعة والمختلفة أفضل في إزالة التلوث البلاستيكي، ووجد الباحثون أن أنواعا معينة من البكتيريا كانت منتشرة في غالبية البحيرات، مثل البكتيريا الراكدة "أسينيتوباكتر" (Acinetobacter).
وبعض من هذه الأنواع كانت تفضل مركبات الكربون المشتقة من البلاستيك على مركبات الكربون الطبيعية، ونمت أكثر بـ1.72 مرة، وأرجع الباحثون السبب إلى أن مركبات الكربون من البلاستيك يسهل على البكتيريا تكسيرها واستخدامها غذاءً. لذلك، فإذا كانت البحيرة تحتوي على تركيز مرتفع من التلوث البلاستيكي، ولكن التنوع البكتيري بها منخفض وتحتوي على مركبات عضوية طبيعية بنسبة عالية، فالنتيجة المتوقعة أن نظامها البيئي سيكون أكثرعرضة للتلف.
يقول الأستاذ في قسم علم الحيوان بجامعة كمبريدج والمشارك في الدراسة ديفيد ألدريدج "لسوء الحظ، سوف يتسبب البلاستيك في تلويث بيئتنا لعقود، ولكن من ناحية أخرى، فإن بحثنا سيحدد الميكروبات التي يمكن تسخيرها للمساعدة في إزالة النفايات البلاستيكية وإدارة مشكلة التلوث البيئي بصورة أفضل".