صدر ألبوم أنغام الأول عام 1988 بعنوان "في الركن البعيد الهادي" (مواقع التواصل)
المتتبع لحياة "أنغام محمد علي سليمان" يجد أن حياتها كلها قوامها محبة الغناء، بدءًا من اسمها الذي كان لها نصيب منه، وحتى لحظة ميلادها في الإسكندرية في 19 يناير/كانون الثاني 1972 لأبوين محبين للغناء.
الأم مطربة محدودة الشهرة، تركت الفن من أجل أسرتها، والأب ملحن نصف معروف، والعم مطرب عذب الصوت، حمل اسم المطرب الأشهر والأهم وقتها فصار اسمه "عماد عبد الحليم" نسبة إلى عبد الحليم حافظ، الذي تبناه فنيا وأعطى اسمه للفتى الصغير الموهوب.
ألحقها والدها بمعهد الكونسرفتوار (المعهد العالي للموسيقى القومية) لدراسة الموسيقى، بعد أن لاحظ بذرة محبة الغناء بها، معتبرا إياها مشروعه الشخصي، فاستثمر في دعمها وتنمية موهبتها، حتى صدر ألبومها الأول عام 1988 بعنوان "في الركن البعيد الهادي".
اللعب مع الكبار
من أجل فهم هذه المرحلة في حياة أنغام، يجب النظر للمشهد الغنائي ككل وقتها؛ ففي أواخر الثمانينيات، كانت بداية ولاية مبارك الثانية، وقبل أعوام قليلة من حرب الخليج، فترة انتعاش سوق الكاسيت واعتباره -بالإضافة إلى ملاهي شارع الهرم- مؤشرا على مدى نجاح المطرب.
وتوفيت أم كلثوم، وفريد الأطرش، وعبد الحليم حافظ، وفايزة أحمد، لكن وردة ما زالت تقدم أغنيات طويلة، وفرّ بليغ حمدي إلى باريس هربا من الحكم القاسي عليه في قضية انتحار سميرة مليان، وانتشرت الأنباء عن قرب عودة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب إلى ساحة المنافسة.
وأحمد عدوية ما زال متربعا على سوق الغناء الشعبي، في الوقت نفسه هناك جيل جديد بدأ في الظهور، لكنه ليس كوردة أو عدوية، إنه جيل الثمانينيات.
في عام 1988 قدم عمرو دياب ألبومه الخامس "ميال" محققا نجاحا مدويا وضعه في مقدمة جيله، وهو الأمر الذي استمر إلى الآن.
أما محمد منير فقدم ألبومه "مقدرش" حافظ خلاله على طابعه النخبوي، ولم يكن جنح بعد تجاه ما اعتبره محبوه خيانة لهم.
لكن المشهد لم يكن مقتصرا عليهم، فهناك ألبوم "لولاكي" للمطرب "علي حميدة" الذي قيل إنه وزع ما يزيد على المليون نسخة، وهناك فتى الثمانينيات الأول "محمد فؤاد" بألبوم "ياني"، إلى جانب "حميد الشاعري" مجدد موسيقى تلك الفترة والأب الروحي لمعظم مطربيها بألبوم "جنّة".
أنغام.. سر أبيها
لم تتعاون أنغام مع حميد الشاعري، ولم تخرج من عباءته ككل مطربات تلك الفترة، مثل حنان أو أميرة أو داليا، لأنها كانت ابنة أبيها وسره، فلا عجب أن يحمل ألبومها الأول اسم "محمد علي سليمان" كملحن لكل الألبوم، باستثناء أغنية "بسبوسة" التي لحنها محمد عبد الوهاب، والتي كانت سجلتها شادية بصوتها، وكان يفترض أن ترد ضمن أحداث فيلم "زقاق المدق".
حملت كلمات الألبوم أسماء مثل حسين السيد، وعبد الرحيم منصور، وصلاح فايز، وعزت الجندي. والأخيران سيتكرر اسمهما كثيرا في ألبومات أنغام التالية.
حقق "في الركن البعيد الهادي" نجاحا فاق توقع الأب تجاه ابنته التي كانت حينها ما تزال في عمر 16، وبدا أنها ستصبح الدجاجة التي تبيض ذهبا.
في العام نفسه، طرحت أنغام ألبومها الثاني "أول جواب"، وفي العام التالي قدمت ألبوم "لايق"، ثم "اتفقنا" عام 1990، و"ببساطة كدة" عام 1992، ثم "إلا أنا" عام 1993، والأخير تضمن أغنية "شنطة سفر" التي أخرجها للتلفزيون المخرج السينمائي عاطف الطيّب، وكلها ألبومات ناجحة ومؤثرة في مسيرة المطربة التي لم تكن أتمت عامها العشرين بعد.
استهداف المال الخليجي
لكن، وبناءً على نصيحة الأب الرائد، قدمت أنغام ألبومين باللهجة الخليجية هما "شكرا" عام 1989، و"مع التقدير" عام 1990، لضمان مستمعين جدد من متحدثي هذه اللهجة، الذين يملكون المال اللازم لدعم إنتاج ألبومات باللهجة المصرية، من حينها وضعها الأب على بداية الطريق، وهو أن المال يأتي من الغناء لدعم وإنتاج الغناء.
شهد عام 1995 حادثين هم الأكثر تأثيرا في حياة أنغام -إذا جاز التعبير؛ أولهما وفاة العم عماد عبد الحليم "نتيجة جرعة مخدرات زائدة"، والذي كان صديقا وأخا أكبر لها أكثر من كونه عمّا، وأما الثاني فهو انفصالها الفني عن والدها، وتقديمها ألبوم "بقولك إيه" من ألحان أمير عبد المجيد، دون اسم محمد علي سليمان ككل الألبومات السابقة.
هذا التحول الذي ربما أتى متزامنا مع إعلان رغبتها في الزواج من مهندس الصوت مجدي عارف، الذي لم يرض عنه الأب، أو ربما لأن أنغام وقتها لم تعد صغيرة تنتظر مشورة أبيها.
في هذه الفترة كانت أنغام المطربة المصرية الوحيدة تقريبا في مواجهة طوفان الأغنية اللبنانية، وهي منافسة شرسة لم تكن لتنجح فيها لولا تماسك مشروعها الغنائي، في مقابل مطربات مصريات أخريات اختفين بسبب الزواج أو الحجاب.
بداية جديدة
بداية من عام 2001، الذي قدمت فيه أنغام ألبوم "ليه سيبتها"، واشتهرت منه أغنية "سيدي وصالك"؛ يتغير كل شيء في حياة أنغام: طريقة أدائها، شكلها، نوعية أغنياتها، وهو ما يعتبرها البعض مرحلة مختلفة أقل تشابها مع أنغام التي أحبها الجمهور وهي ما زالت في عمر 16.
لكن المطربة الصغيرة التي قدمت شارة مسلسل "سر الأرض" (وهو مسلسل توعوي كان يقدم في التسعينيات) أصبحت الآن تتعاون مع أسماء مثل شريف تاج، وتامر علي، وأمير طعيمة، وبهاء الدين محمد، والموزع الشهير وزوجها الثاني فهد الشلبي.
حتى ألبومها الأخير "أحلام بريئة" كان كل شيء تفعله أنغام نابعا من محبتها للغناء، بداية من تقديمها ألبومات خليجية تمكنها من تقديم ما تحبه لاحقا، أو الاقتران بموسيقيين، أو حتى اختيار أغنيات بعينها لنجاة الصغيرة، ووردة، وفايزة أحمد، وعبد الحليم حافظ لإعادة إحيائها في حفلاتها؛ كله اختيار ينم عن أذن مدربة منذ الطفولة على محبة الغناء.