وَعدُ الزَّمان
بواسطة : د. أحمد فتح الله
سأل الزَّمان بدهشةٍ ما السِّرُّ في هذا الضَّريحْ؟
تأتي إليهِ النَّاس أفواجًا بِعزمٍ لا يزيحْ
لا عمر يفرق أو غنًى حتَّى الفقير وإن كسيحْ
وترى الصَّغير مع الكبير هنا معافًى أو جريحْ
بين الضَّريحِ وأنفُس “العشَّاق” ميثاقٌ صريحْ
فتعانق الأرواح شبَّاكًا بأشواقٍ تنوحْ
دمعٌ مِنَ المُقْلَات إذ يجري على خدٍّ صفيحْ
والكلُّ يدعو نادبًا “ربِّي رجوتُكَ بالسَّميحْ”
رُغمَّ الزِّحام كأنَّها في مَرْبَعٍ سَبْطٍ فسيحْ
ريحٌ يجوب فنائهُ وبهِ غدا طِيبًا نضوحْ
ناداهُ صوتٌ مِن جوانبهِ هنا أسمى طريحْ
وفجيعةٌ مازال فينا قرحها ثاوٍ قبيحْ
تتسرَّب المأساة في دمنا وتفتحُنا جُروحْ
يا سائلًا عن سرِّهِ قَد حازنا قلبًا ورُوحْ
هذا الَّذي جعل الممات قصيدةً وفدًا مُريحْ
وهو الَّذي وهب الكرامة روحهُ ودمًا قريحْ
ومنافحٌ منح الحياة نضارةً بِإبًا طمُوحْ
سبطٌ مِنَ الأسباط فاق بلاءهُ رُزءَ “المَسيحْ”
نحرُوا لهُ طفلًا بسهمٍ قد سقاهُ دمًا سفُوحْ
هذا الرَّضيعُ تراهُ موضوعًا على الصَّدر الرَّضِيحْ
بجواره قمرٌ شبيهُ محمَّدٍ وفتًى مَليحْ
والآلُ والأصحابُ صرعى شاكلوا وردًا ذبيحْ
ونساؤهُ في ركب سبيٍّ ظلَّ أيَّامًا يسيحْ
أطفالهُ تمشي حفاةً في هجيرٍ ذي فحيحْ
إنَّ المُقيم هنا حسينٌ قد غدا عشقًا صحيحْ
والحقُّ قد أمسى بهِ صوتا لهُ شدوٌ صدوحْ
أمر الحسين كلامنا ولهُ صدًى يُعيي الفصيحْ
وكلامنا عن أمرهِ تحتاجهُ الرُّوح الأنُوحْ
ما مِن قتيل مثلهِ ملأ الحياة أسًى يصيحْ
ودموعنا هي بلسمٌ تشفي لنا جرحًا نفوحْ
هذا جوابي عن سؤالك يا زمان وإن شحيحْ
عندي كلامٌ غيرهُ لَكن أرى هذا أريحْ
هذا الحسين بهِ هناؤك يا زمان فكنْ نصوحْ
قِفْ يا زمان الآن مفتخرًا بهِ هلَّا تبوحْ!
زفر الزَّمان وصاح ما هذا مِنَ البشرِ الجموحْ
فابشرْ بسعدكَ راضيًّا قد نُلتَ سُؤلكَ يا نصيحْ
هذا ملاكٌ ضمَّخ الكون الوسيع شذًا يفوحْ
ولسوف يبقى في سُموٍّ في مدًى حاوٍ سَطيحْ
هذا الوجيهُ يظلُّ وجهًا باسمًا دومًا صبيحْ
حيًّا مجيدًا في قلوبٍ نالها شغفٌ لحُوحْ
يزهو على مرِّ الدُّهور سنا منارٍ لَن يرُوحْ
وضريحهُ يبقى مزارًا شامخًا عالي الصُّروحْ
وعدي حسينٌ وعد حقٍّ لا كلامٌ للمديحْ