نظام الكوتا النسائية محاولة للفهم
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
انبهر الإسلاميون بالنظام الديمقراطي، القائم على الانتخاب وتقرير حرية الشعوب في اختيار حكامها، وهذا قدر جميل وحسن لا إشكال فيه، بيد أن بعض التفصيلات والقضايا في النظام الديمقراطي يجب أن نخضعها لثقافتنا وأصالتنا وهويتنا العربية والإسلامية، ومن ذلك الجدل الكبير والقائم حول نظام الكوتا النسائية، فلقد رأينا إسلاميين ينادون بهذا النظام في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، التي لا يزال للمرأة فيها وضع خاص واستثنائي، يجب المحافظة عليه، الأمر الذي يدعونا للنظر في هذا النظام"الكوتا" لنقف على مدلوله وتاريخه، ومدى قابلية شريعتنا ومجتمعاتنا له من عدمه، ومدى ما يمكن أن يحققه هذا النظام من حقوق للمرأة، وهذه محاولة متواضعة من كاتب هذه الأسطر للغوص في ثنايا وزوايا هذا الموضوع سائلا من الله العلي القدير العون والتوفيق والسداد .


أولاً التعريف بنظام الكوتا:

الكوتا هي نظام يفرض حصصا معينة للمرأة، في المجالس التشريعية ومفهوم الكوتا في اللغة الانكليزية quota تعني نصيب أو حصة نسبية، كذلك الحال في اللغة الفرنسية مصطلح qute porth ، quote(adj) ، quota an(n ) يعني نصيب أو حصة نسبية، قسمة، مقدار quotite يقصد بها تخصيص عدد محدد من المقاعد في الهيئات التشريعية للنساء، كما عرفت بأنها تخصيص مقاعد للمرأة في المجالس النيابية، وتطبيق هذا النظام يتطلب إلزام الأحزاب السياسية بتخصيص مقاعد لوجود النساء في مستوياتها التنظيمية كافة .

تاريخ نظام الكوتا:
يرجع الأصل التاريخي لنظام الكوتا إلى مصطلح الإجراء الايجابي Affirmative action حيث أطلق لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية على سياسة تعويض الجماعات المحرومة إما من قبل السلطات الحكومية أو من قبل أصحاب العمل في القطاع الخاص، وقد كان في الأصل ناجماً عن حركة الحقوق المدنية ويتصل بالأقلية السوداء وقد أطلقه لأول مرة الرئيس(كيندي في عام 1961) وتابعه جونسون في برنامجه الذي كان يمثل جزءاً من الحرب على الفقر في بداية عام 1965، فتم تطبيق نظام حصص نسبية ( كوتا) يلزم الجهات بتخصيص نسبة معينة من الطلاب المقبولين فيها، الذين ينتمون إلى أقليات أثنية، فطالبت به جماعات أخرى مثل الحركة النسائية، كما انتشر في بلدان أخرى كانت تشعر فيها الأقليات بأنها محرومة من الحقوق. (عن مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، بتصرف) . وبالتالي فإن نظام الكوتا نشأ في الغرب وفي أمريكا بوجه أخص، ويعالج مشكلة اجتماعية هناك خاصة بالفئات المهضومة أو المضطهدة أو المهمشة، وفق النظام الغربي العنصري .

موقف الأنظمة العربية من نظام الكوتا
ذهبت أغلب التشريعات إلى عدم الأخذ بمبدأ الكوتا وذلك لإخلاله بمبدأ دستوري مهم وهو مبدأ المساواة ومن هذه التشريعات، تونس، الجزائر، اليمن، لبنان، الكويت، السعودية، قطر، البحرين، الإمارات العربية المتحدة، عمان، موريتانيا، مصر، سوريا، أمريكا، الهند، استراليا، كندا .
أخذت عدد من التشريعات بنظام الكوتا النسائية في البرلمان ومن هذه التشريعات:
1- التشريع المغربي: حيث خصص 30 مقعدا من أصل 325 مقعد في البرلمان المغربي.
2- التشريع الأردني: حيث خصص 6 مقاعد وذلك بموجب تعديل قانون الانتخاب رقم 11 لسنة 2003.
3- التشريع السوداني: خصص نسبة تتراوح بين 10-35 مقعدا للنساء.
4- التشريع العراقي: خصص نسبة لا تقل عن ربع عدد أعضاء مجلس النواب أي 25%من عدد الأعضاء البالغ 275 عضواً.
5- التشريع الفلسطيني: حيث نصت المادة(4) من قانون الانتخاب الفلسطيني رقم 9 لسنة 2005 على ما يأتي( تمثيل المرأة) " يجب أن تتضمن كل قائمة من القوائم الانتخابية المرشحة للانتخابات النسبية ( القوائم) حداً أدنى لتمثيل المرأة لا يقل عن امرأة واحدة من بين كل من:
أ ‌- الأسماء الثلاث الأولى من القائمة.
ب‌- الأربعة أسماء التي تلي ذلك.
ت‌- كل خمسة أسماء تلي ذلك.
(أنظر نظام الكوتا النسائية في مجلس النواب العراقـي ضياء عبد الله عبود الجابر تدريسي / كلية القانون / جامعة كربلاء، بتصرف) .

كيف ظهر نظام الكوتا في البلدان العربية؟!
مع تحول بعض المجتمعات العربية إلى الأنظمة الانتخابية المتطلبة للترشيح والمنافسة وجد أن النساء يسقطن في كل انتخابات تشريعية أو حتى بلدية، بل لم تفز امرأة واحدة في أي انتخابات، في كثير من البلدان العربية على مدى عقود من الزمن، كما في الأردن والكويت والبحرين، وبعض البلدان العربية الأخرى التي فازت فيها النساء بمقعد أو نحوه، بفضل عمليات التزوير والغش المنظم الذي تمارسه السلطات المستبدة، ومع ذلك لم تستطع هذه السلطات - مع ما لديها من فنون وبراعة فائقة في عمليات الغش والتزوير - المغامرة بأكثر من بضعة مقاعد للنساء .
ففي الأردن مثلاً منذ عام 1974 الذي حصلت فيه المرأة الأردنية على حق الاقتراع والترشيح للانتخابات النيابية، ترشحت 12 امرأة في عام 1989 من أصل 648 مرشحا، ولم يفز أي منهن .
وظلت المرأة الأردنية تسقط في كل انتخابات أردنية سواء في انتخابات 1997م أو انتخابات 2003م لولا أن الحكومة الأردنية تداركت الموقف، فأصدرت قانوناً معدلاً في نهاية عام 2002 رقم (11) لسنة 2003 بتخصيص (6) مقاعد كحد أدنى لتتنافس عليها النساء، إلى جانب الحق في المنافسة على المقاعد الأخرى كافة، حيث شارك 1369126مقترعا في الانتخابات الأخيرة التي جرت يوم الثلاثاء بتاريخ 17/6/،2003 وبلغ عدد المشاركات 713614، أكثر من الذكور 655512 ،أي ما نسبته 52,12% إلى 47,88% لصالح الإناث، وترشح 54 امرأة من أصل 760، أي ما نسبته 7% من عدد المرشحين، ولم تفز أي من المرشحات على أساس التنافس الحر.
وبفضل القانون الآنف الذكر الذي فرض نظام الكوتا على الشعب الأردني فازت ست نسوة من المرشحات، لا غير .
ومثل هذه الصورة في اليمن حيث كانت المرأة اليمنية دوماً وفي كل انتخابات لا يحالفها الحظ وتسقط في كل انتخابات، وبفضل الأيادي غير النزيهة فاز عدد منهن، لا يتجاوز فيما أحسب أربعاً أو ستاً .
وأما في الكويت فلم تفز منهن واحدة في الانتخابات التي أجريت مؤخراً، رغم أن أعداد المقترعات أكثر من أعداد المقترعين، ومثله كذلك في البحرين .

نتائج نستخلصها من تجارب نظام الكوتا
بالطبع نحن هنا لا نشمت بالمرأة، ولا نقصد التقليل من شأنها، فالمرأة المسلمة هي سيدة نساء العالمين، وإنما نسرد الواقع كما هو، حيث نقرأ النتائج الواضحة لكل ذي عينين أن هذا النظام"الكوتا" نظام غير عملي ولا واقعي ولا موضوعي ولا قانوني، لتصعيد المرأة سياسيا على ظهر القانون، بدلا من ظهر الدبابة والمدفع.
ومن هنا فيمكننا القول بأن نظام الكوتا، نظام فرضته الأنظمة المستبدة ذات الطابع غير الوطني، فرضته على أممها وشعوبها المستضعفة، ولم تكتف هذه الأنظمة بما تمارسه من عمليات تزوير واسعة وكبيرة لإرادة شعوبها، بل غلّفت هذا الاستبداد المقنن بغلاف أكثر قذرا ألا وهو الاستبداد في فرض القيم والأخلاق على المجتمع، عبر فرض النظريات الاستعمارية التي أثبتت فشلها في كل مكان .
إن ضمان حقوق المرأة لا يأتي بفرض ولايتها على رؤوس العباد بقوة القانون، وإنما يتأتى بالتوعية السياسية، وإشاعة مساحات أكبر وأوسع من الحريات والمتنفسات الثقافية والقانونية، وإلغاء الإرهاب السياسي والفكري والاقتصادي الذي تمارسه السلطات العربية على شعوبها، وعند ذلك يطمئن الجميع ويأمنون على أنفسهم وأعراضهم وحرياتهم، ويصبح تكافؤ الفرص على أساس مبدأ المساواة أمام القانون هو ثقافة ولغة الجميع .
لقد طبق هذا النظام في أكثر من بلد عربي، ولم نجد المرأة المسلمة حققت منه شيئا يذكر على أي مستوىً حقوقي لها، إلا اللهم الاستعراض على شاشات التلفزة، أو المتاجرة بقضايا المرأة، ولم تلمس المرأة العربية أيما تطور يذكر في مستوى التعليم والصحة والثقافة والاقتصاد والأمن.. فالمغرب كإحدى الدول التي أخذت بنظام الكوتا، تبلغ نسبة الأمية في المغرب 48 بالمئة بحسب الإحصاءات الرسمية، وتتفشى بصفة خاصة في أوساط النساء. (أخبار الخليج ـ البحرين، 26 شباط/فبراير 2005)، وأما في الأردن والعراق والسودان وفلسطين، فحدّث ولا حرج عن معاناة المرأة وظلمها وبيعها كرقيق أبيض، وعمليات الاختطاف والقتل، بمئات الآلاف، دون أن تفعل لهن الكوتا المشؤومة شيئاً، فهل يعقل إعلامنا لهذه القضية الهامة، وهل يعلم ساساتنا أن الغرض من هذا النظام ليس إلا الفوضى الفكرية والانحطاط الثقافي؟ وأنه لا ناقة ولا جمل للمرأة من هذا النظام، وأن هذا إنما يضاف إلى رصيد التزييف والخداع والتضليل لشعوب يفتك بها الجهل والأمية والفقر .
بيد أن السؤال الأكبر والأهم في هذا الموضوع برمته والذي يفرض نفسه في هذا السياق لِمَ بعض الإعلاميين ينادون وبقوة واستماتة منقطعة النظير– بعد كل هذا- بنظام الكوتا؟! هل هي الغفلة؟ أو هي الأميّة السياسية؟ أم أنه أصابت البعض منا لوثات الفكر، ووباء تبعية الآخر؟ أم هو تقبل لزبالات الأفكار والقيم؟ أم هي المناورات السياسية على حساب القيم والمبادئ الاجتماعية والأخلاقية؟ أم أن الأمر مشروع لدى المقنن الوافد من وراء البحار، وإن رفضته شعوبنا، فيجب أن يفرض عليها بقوة القانون، لا بقوة الحجة والبرهان أم ماذا؟؟.
تساؤلات بريئة ...والله تعالى من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل