بقلم: عبير المنظور

اللقطةُ الأولى:
رضيعٌ أرضعَه حرملةُ الرضعةَ الأخيرةَ بسهمٍ ذي ثلاثِ شُعَب!
فُطِمَ به من رضاعِ هذه الدُنيا
نحوَ رضاعِ الآخرة
فاضَ دمُه بكفِّ أبيه
رماهُ نحوَ السماءِ فلم تنزلْ منه قطرة!
أتعلمونَ لماذا؟
لأنَّ الملائكةَ أخذتْ روحَه ودمَه لتُسقيَ روحَه الظمأى من رضاعِ الآخرة
وليبقى دمُه في أظِلّةِ العرشِ شاهدًا على أصغرِ ناصرٍ لإمامِ الزمان.
................
اللقطةُ الثانية:
هي خفقةٌ لريحانةِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وهو على ظهرِ فرسِه عندَ ارتحالِه من قصرِ بني مُقاتل، فعنّ له فارسٌ يقول: القومُ يسيرون والمنايا تسيرُ إليهم» فاسترجعَ وحمدَ اللهَ (تعالى)..
استرجعَ للأحِبّةِ، وحمِدَ اللهَ (تعالى) لقُربِ ذلك اليومِ الموعودِ الذي تُقدَّمُ فيه قرابينُ الفداءِ لدينِ جدِّهِ (صلى الله عليه وآله)..
سمعه ابنه عليٌ الأكبر (عليه السلام)، وعَلِمَ ذلك بفِطنتِه؛ فهم مُهيّؤون لذلك اليوم..
خفقَ فؤادُه وضميرُه الواعي، وسألَ أباه عن عِلّةِ الاسترجاعِ والتحميدِ؛ لعلّ تشوّقه لنُصرةِ إمامِ زمانِه في ذلك الوعدِ الإلهي يهدأُ قليلًا...
فأخبره أبوه عن أنباءِ الخفقةِ وعقّبَ
- "فعلمتُ أنّها أنفسُنا نُعيَتْ إلينا"
فقالَ عليٌّ الأكبرُ (عليه السلام): «يا أبت، ألَسْنا على الحقّ؟» فقال: «بلى، والذي إليهِ مَرجِعُ العباد».
فقالَ عليٌّ الأكبر: «إذًا لا نُبالي أوقعنا على الموتِ أو وقعَ الموتُ علينا»
مشهدٌ يُصوِّرُ لنا إرادةَ شابٍ وعزمَه ووعيَه لمُتطلّباتِ المرحلةِ والمقطعِ الزمني الذي تمرُّ به الأُمّةُ، وما تواجهُه من تحدّياتٍ، وما يُفترَضُ عليه أنْ يقومَ به من مواجهات..
هو يرنو للحقِّ وإحقاقِ دولةِ الحقِّ، لا يُبالي إنْ وقعَ على الموت، أم وقعَ الموتُ عليه..
هي ذي بصيرةُ شبيهِ الرسولِ (صلى الله عليه وآله) خَلقًا وخُلقًا ومنطقا؛ فمقالتُه الخالدةُ هذه هي مقالةُ ومنطقُ رسولِ الله (صلوات الله عليه وآله)..
فهو ليس مشهدًا لابنٍ يذبُّ عن أبيهِ في نزاعٍ..
كلّا، إنّه مشهدٌ للعقيدةِ الصادقةِ المُتسلّحةِ بالوعيّ والإدراكِ التامّ للمُسبّباتِ والنتائجِ والآثارِ..
إنّه موقفٌ لنظرةٍ شاملةِ الأبعادِ لثورةٍ تُصحِّحُ الدّينَ، وتُقوِّمُ من أرادَ اعوجاجَه باسمِ الدّينِ..
وحين جدَّ الجِدُّ وحميَ الوطيسُ كانَ أولُ من برزَ من بني هاشم ليذبَّ عن عقيدتِه ودينِه وإمامِ زمانِه حتى قُطِّعَ إربًا إربًا في نُصرةِ إمامِ زمانه.
ترى كم من شبابِنا العشرينيين ومن هم أكبر من ذلك يملكون هذا الوعيَ وهذا الإصرارَ وهذه الشجاعةَ وهذا الإقدامَ في الحقّ؟!
ترى هل ستثبتُ شعاراتُنا عندَ الخفقة، وتستمرُّ عند النزالِ بنفسِ الوَهَجِ والمصداقيةِ ونكون أولَ من يتقدّمُ لتطبيقِ ما نتشدّقُ به من بطولاتٍ وأُمنياتٍ قبل المواجهةِ الحقيقية، أم سننكصُ عندَ أولِ مُبارزة؟!