بقلم: عبير المنظور

ها قد بدأتِ المعركةُ الموعودةُ، وتوالتِ الحملةُ إثرَ الحملةِ في الذبِّ عن إمامِ الزمان (عليه السلام) والدفاعِ عن حرمته..
انجلتِ الغبراءُ عن مقتلِ الصحبِ والأحِبّةِ من الإخوةِ وأبناءِ العمومة..
وفي أوجِ تلك المعمعةِ وصَخَبِها الذي يملأُ النفسَ أسىً قبلَ الرأس، برزَ بكُلِّ هدوءٍ وسكينةٍ غُلامٌ هاشميٌ لم يبلغِ الحُلُمَ، وصف المؤرِّخون وجهَه كأنّه شقّةُ قمر.. مع مُلاحظةِ أنَّ هذا الوصفَ وردَ في الرواياتِ لرسولِ الله (صلى الله عليه واله)!
إنّه القاسمُ بن الإمامِ الحسن (سلام الله عليهما)..
اعتنقه الإمامُ الحُسينُ (عليه السلام)، وبكى، وأذِنَ له بالقتالِ.. وأيّ قتال؟!
قتال الدفاعِ عن إمامِ الزمانِ في معركةٍ مصيرية ...
غُلامٌ لم يبلغِ الحُلُمَ قَلَبَ مُعكسرَ الأعداءِ فقُتلوه غدرًا عندما انحنى ليشدَّ شسعَ نعلِه المقطوعِ وفلقوا هامته! صاحَ الغُلامُ:
- يا عمّاه...
فأتاهُ الحُسينُ (عليه السلام) وضربَ قاتلَه..
وانجلتِ الغبرةُ وإذا الحُسينُ قائمٌ على رأسِ الغُلامِ وهو يفحصُ برجليه والحُسين يقولُ:
- بعدًا لقومٍ قتلوك، خصمُهم يومَ القيامةِ جدُّك وأبوك.

مشهدٌ مؤلمٌ من مشاهدِ الطفِّ...
اعتناقُ الإمامِ الحُسينِ للقاسم (عليهما السلام)، وبُكاؤه عليه قبلَ أنْ يبرزَ للقتالِ في حين كانَ يعتنقُ أغلبَ الشهداءِ ويبكيهم عند احتضارهم أو بعدَ استشهادهم، وكذلك ضربه لقاتلِ القاسم مُباشرةً.. وموتُ القاتلِ بشكلٍ مروّعٍ وسطَ مُعسكره له دلالاتٌ كثيرةٌ ومُشجيةٌ..
بالوقوفِ قليلًا على تلك الدلالاتِ نسألُ أنفسَنا:
ما الذي فعلَه القاسمُ (عليه السلام) وهو غُلامٌ لم يبلُغِ الحُلُمَ ليحظى بتلك المكانةِ، لا سيما إنَّ له (سلام الله عليه) أخوين استُشهدا معه يومَ عاشوراء، ممّا يعني أنّه ليسَ ابنَ أخيه الحسن (عليه السلام) الوحيدَ الذي استشهِدَ يومئذٍ ليخصّه الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) بما فعلَه معه دون غيره؟
بلحاظِ هذا المشهد لو تأمّلنا حالَنا قليلًا مع إمامِ زماننا (عجل الله (تعالى) فرجه) ترى إنْ حانَ اليومُ الموعودُ وقدّمْنا نُصرتَنا للإمامِ ترى هل سيعانقنا ويبكي قبلَ أنْ نقومَ بمهمّتنا؟!
وإنْ قُتِلنا فهل سيَقتلُ قاتلَنا مُباشرة؟
وهل تعلّمْنا الدرسَ من القاسمِ وهو غُلامٌ لم يبلُغِ الحُلُمَ -أيّ لا تكليفَ بالجهادِ عليه- وقُمْنا بأداءِ واجبِنا تجاهَ إمامِ زمانِنا مُنذُ صِبانا أو حتى في عمرِنا هذا؟!
وهل تحمّلْنا مسؤوليتَنا كآباء وأمّهات في التربيةِ وعلّمْنا أولادَنا في صباهم ذلك الوهجَ والعزمَ والإرادةَ في نُصرةِ إمامِ الزمان كالذي رأيناه في القاسم؟
أم لا زلنا نتحجّجُ بأنّهم أطفالٌ صغارٌ، وأنَّ نُصرةَ القضيةِ المهدوية تحتاجُ وعيًا بعمرٍ أكبر؟!
متى نخلقُ جيلًا مهدويًا براعمُه كالقاسمِ، وشبابُه كالأكبرِ والعباس، وشيوخُه كحبيب؟
وكيفَ يكونُ ذلك وبعضُ شبابنا وشيوخنا الآن كيزيدَ وأتباعِ يزيد؟!