لوحات كبار الفنانين رسمت صورا مختلفة للمشكلات الاجتماعية كالتعاسة الزوجية (مواقع التواصل)
في العهود السابقة على اختراع التلفزيون والراديو وغيرهما من وسائل الإعلام، كان الفن التشكيلي واللوحات خاصة -إلى جانب النصوص الأدبية- الوسيلة المعتمدة لمناقشة القضايا الاجتماعية مثل الفقر أو القضايا الزوجية وغيرها.
فيما يتعلق بالتعاسة الزوجية مثلا، قدم الرسام البريطاني ويليام كويلر أوركاردسون (1832–1910) -في لوحته "زواج المصلحة" (Le mariage de convenance) المرسومة عام 1883- زوجين بينهما فرق سن هائل يجلسان على طاولة طعام في وضع يعلن عن مقدار الفشل المحتمل الذي ينتظر تلك الزيجة.
نرى في اللوحة، المعروضة حاليا في متحف فنون كيلفينغروف في غلاسكو، غرفة طعام على النمط الفيكتوري. يجلس رجل وامرأة على طرفي طاولة طويلة منفصلان وبعيدان عن بعضهما البعض. الأجواء الدافئة مشحونة بدراما نفسية كعادة أوركاردسون في لوحاته. الرجل المُسن ثري جدًا بدلالة الديكور الداخلي لهذا المنزل الفيكتوري الضخم، والخادم الذي يقدم له الطعام. وربما هذا هو سبب قبول تلك الشابة الصغيرة بدعوته على العشاء.
لوحة "زواج المصلحة" للفنان أوركاردسون (مواقع التواصل)
هذه الدراما العائلية التي تجري أمام المشاهد توضح حجم التعاسة التي تنتظر الزوجين بذاك المنزل الفيكتوري ذي الوجهين: ثري وتعيس. نستكشف عبر لوحة أوركاردسون أنه خلف تلك الواجهات الفخمة والنوافذ الزجاجية الملونة والستائر الدمشقية القرمزية السميكة يقبع عجوز ثري ووحيد على رأس الطاولة في تلك الغرفة الأنيقة منتظر جوابا من تلك الشابة.
في الجهة المقابلة، تجلس الشابة والتي لا تُبدي أي قدر من الفرح بل وتظهر عليها إمارات الملل. وفي حين أنها ترتدي فستان امرأة فيكتورية ثرية، ويمكن أن يكون لديها أي شيء تشتهيه بسبب ثراء ذاك الزوج المحتمل، لكنها ليست سعيدة على الرغم من ذلك، فهي لا تنظر نحوه بالمرة ولا نرى أي أثر لعواطف حميمية. الشيء الوحيد الذي يستطيع المشاهد رؤيته نافذًا من اللوحة هو الملل والكآبة التي تكتنف ذلك المنزل.
المال مقابل الجمال
يمضي أوركاردسون في رسم بقية الحكاية في لوحتين هما تتمة تلك الثلاثية عن التعاسة الزوجية. اللوحة الثانية هي "ما بعد الزفاف العصري" (Mariage à la Mode-After)، المرسومة عام 1886، ونرى فيها نفس العجوز يجلس وحيدا في غرفة على النمط الفيكتوري أيضا بدون زوجته الشابة التي وفقا لعنوان اللوحة قد ارتبط بها للتو.
لوحة "ما بعد الزفاف العصري" رسمت عام 1886 (مواقع التواصل)
يبدو الرجل خائب الأمل بعدما فشل ماله في درء إحساسه بالوحدة. يُركز أوركاردسون مرة أخرى على الديكور الداخلي للمنزل لإظهار حجم ثراء العجوز، لكن في الآن ذاته يُظهر حجم الوحدة التي يعاني منها وسط كل هذا الثراء. ويجلس بلا جدوى منتظرا في غرفته وحيدا كأن شيئا لم يكن.
هدوء ما قبل العاصفة
يأخذ أوركاردسون المشاهد، في اللوحة الأخيرة من تلك الثلاثية، إلى المرحلة الحتمية لهذا الزواج القائم على المصلحة، ألا وهو انفجار الأوضاع. نرى في لوحته "السحابة الأولى" (The First Cloud)، المرسومة عام 1887، بداية الخلافات بين الزوجين في مشهد مشحون دراميا.
لوحة "السحابة الأولى" عام 1887 (مواقع التواصل)
فالزوج الذي اشترى الشباب والجمال بماله يقف على يمين الرائي بعيدا للمرة الثانية عن زوجته الشابة التي ولّت ظهرها للرائي وتمضي نحو الداخل. يده في جيبه وعلى وجهه إمارات السخط. الزوجة لا تلقي له بالا ومضت نحو الداخل بينما لا يزال يتطلع نحوها. المسافة بينهما تماما كما في اللوحة الأولى تشير لمقدار الصدع العاطفي الذي ينطوي عليه هذا الارتباط.
الديكور الداخلي للمرة الثالثة يدل على ثراء الرجل وفخامة المنزل وتعاسته أيضا. ألوان صامتة وإضاءة داخلية لا توحي بوجود نور النهار. عنوان العمل يقترح أن الزوجين خاضا لتوهما نقاشا حاميا، وأن التعاسة الزوجية مصير حتمي ومنتظر لذلك الزواج. فتلك السحابة بين الزوجين الأولى فقط قبل هبوب العاصفة.