بقلم: عبير المنظور
لكثرةِ مشاهدِ أنصارِ الإمامِ الحُسينِ (عليه السلام) في واقعةِ الطفِّ سنُقدِّمُها في مشاهدَ عديدةٍ مُستقبلًا بإذنِ اللهِ (تعالى)، ولكن سأركِّزُ اليومَ على مشهدٍ واحد..
المشهدُ السادس:
ها هو ريحانةُ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وحيدًا في ميدانِ المعركةِ مُثكلًا ببنيهِ وأهلِه وأصحابه..
عطشانَ فتّتَ الظمأُ كبدَه في ذلك اليومِ القائظِ.. والجراحاتُ تملأُ جسدَه الشريفَ الذي أصبحَ مرتعًا للسهامِ والنِبالِ والرِماح..
وأهلُه وأنصارُه مُجزَّرون كالأضاحي على رمضاءِ كربلاء..
مشهدٌ يبعثُ على الأسى والحيرة..
إمامُ العصرِ في ذلك الزمانِ وحيدًا فريدًا في تلك الصحراءِ اللاهبةِ، ينوءُ بجراحاتِه المادّيةِ والمعنوية، ويترصّدُه جيشٌ عرمرم ليُسكِتَ أنفاسَه الأخيرةَ، أخذَ الحُسينُ (عليه السلام) ينظرُ يمينًا وشمالًا، فلم يرَ أحدًا من أصحابِه وأنصارِه إلا مَنْ صافحَ التُرابَ جبينُه، ومن قطّعَ الحمام أنينه.
فنادى (عليه السلام):
- يا مسلم بن عقيل! ويا هاني بن عروة! ويا حبيب بن مظاهر! ويا زهير بن القين! ويا يزيد بن مظاهر! ويا يحيى بن كثير! ويا إبراهيم بن الحصين! ويا عمير بن المطاع! ويا أسد الكلبي! ويا عبد الله ابن عقيل! ويا مسلم بن عوسجة! ويا داود بن الطرماح! ويا حر الرياحي! ويا علي بن الحسين!
ويا أبطال الصفا! ويا فرسان الهيجاء!
ما لي أناديكم فلا تجيبون، وأدعوكم فلا تسمعون؟!
أنتم نيامٌ أرجوكم تنتبهون، أم حالتْ مودتُكم عن إمامِكم فلا تنصرونه؟!
فهذه نساءُ الرسولِ لفقدكم قد علاهن النحول، فقوموا من نومتكم، أيُّها الكرام! وادفعوا عن حَرَمِ الرسولِ الطُغاةَ اللئام، ولكن صرعَكم واللهِ ريبُ المنون، وغدرَ بكم الدهرُ الخؤون، وإلا لما كُنتم عن دعوتي تُقصّرون، ولا عن نُصرتي تحتجبون، فها نحنُ عليكم مُفتجَعون وبكم لاحقون، فإنّا للهِ وإنّا إليه راجعون.
لو نظرنا إلى هذا المشهدِ من منظورٍ آخر:
لماذا ذكرَ الإمامُ الحُسينُ (عليه السلام) أسماءَ أصحابِه في آخرِ لحظاتِ حياتِه، وعبّرَ عن افتجاعِه بشهادتِهم، وعذره لهم عن نصرته؟
أولُ مَنْ ذكرهم كانَ مُسلمًا بن عقيل وهانئًا بن عروة الذين استُشهدا في الكوفة قبلَ شهرٍ من الواقعة، وعدّدَ بقيةَ الأصحاب.
لنقفْ لحظةً مع أنفُسِنا الأمّارةِ بالسوء، ونسألْها ولنتأمّلْ جيّدًا..
ما الذي فعلَه هؤلاءِ الصحبُ الكرامُ كي يذكرَهم إمامُ زمانِهم (عليه السلام) ويفتجعَ لمُصابهم وإنْ قُتِلوا قبلَ الواقعةِ وأثناءها لنُصرةِ إمامِ زمانهم ؟
ما الذي قدّموه لإمامِ زمانِهم ليزفرَ بلواعجِ فِراقهم ويذكرهم في آخرِ لحظاتِ حياته؟
ترى إنْ داهمتنا المنيّةُ قبلَ ظهورِ الإمامِ الحُجّةِ (روحي فداه) هل فعلنا حقًّا ما يذكرنا به إمامُ زمانِنا ويتمنّى وجودَنا معه عندَ الظهورِ لنُقدِّمَ له النصرة؟