*يَا سَيّدي العَباس*
أكبرتُ شِبْلَ المرتضى الكرّارِ
عبّاسُ نِبراسٌ من الأنوارِ
أعظمتُ مِعواناً سما بخصالِهِ
عَضُداً مُطيعاً ثاقِبَ الإبصارِ
فحلُ المُروءَةِ كابِراً عن كابرٍ
صلَّى لمنبَتِهِمْ عظيمُ الدّارِ
فهو ابنُ مَكّةَ والأباطِحِ حَولَها
وابنُ المدينةِ مَعقَلِ الأطهارِ
وهو ابنُ مَنْ أهْدَتْ بَنِيها قُربةً
لِرضا الإلهِ الواحدِ القهار
اُمُّ البنينَ ومَن يوَفِّي قدْرَها
في الصبرِ والإيثارِ والإِبرارِ
وهو المُفادِي المُستَنيرُ مناهِضاً
ظُلمَ العُصاةِ ودولةَ الفُجّارِ
يومَ الحسينُ بكربلاءَ إذ اعتلى
صرحَ الحكومةِ شُذَّذُ الأفكارِ
فتقلّدَ العبّاسُ رايةَ نهضَةٍ
خَلَدَتْ معَ الأجيالِ والأخبارِ
فلثورةٌ فُديَتْ بآلِ محمّدٍ
لَعظيمةُ الأهدافِ والآثارِ
فبِها الإمامُ هو المضحّي دونَنا
بالنّفسِ والأبناءِ والأبرارِ
ليصونَ ديناً صار بالطُّلقا عَمَىً
معنىً لكُلِّ ذميمةٍ وشَنارِ
وبها الحسينُ هو الإمامُ المبتَلى
بتظاهُرِ الأزمانِ والأمصارِ
إلاّ القليلُ من الأُباةِ تضامنوا
ليدافعوا عن صَفوةِِ وذِمارِ
من بيتِ طه المصطفى و وصِيِّهِ
وحرائرٍ طَهُرَتْ بإذنِ الباري
أبَتِ النُّبوّةُ والعدالةُ ظلمَهمْ
لا مرحباً بِغوائلِ الأشرارِ
يا سيدي العبّاسَ صُغْتَ شهامةً
مذ كربلاءَ وَ وَثبةِ الثُوّارِ
يا من علوتَ بكلِّ رايةِ عِزّةٍ
في مكرُماتِ الزُّهدِ والإيثارِ
وكتبتَ بالنُّبْلِ المُقدّسِ عِبرةً
فَخَرَتْ بها الدّنيا على استِعبارِ
لكَ في البطولةِ والوفاءِ روائعٌ
يومَ الطُّفوفِ وهَبَّةِ الأحرارِ
فلقد شققتَ الصفَّ رغمَ جُمُوعِهم
ما كان جمعُهُمُ سوى أصفارِ
حتى كأنَّ غريمَهُمْ جيشٌ علا
واذاقَ جحفلَهُم لَظَى الإدبارِ
يا سَيّدي العَبّاسَ جِئْتُكَ ظامِيَاً
هَلاّ سَقَيْتَ بِشِرْبَةِ الأَسْرارِ
بيدٍ مطهرَّةٍ تعالَتْ مَعلَماً
للجُودِ فـي يُسْـرٍ و فـي إعْسَارِ
مِنْ راحَتَيْكَ أحاطَتا بشريعةٍ
ماءٍ تُطيِّبُ شِربَةَ الأحجارِ
لكِنّما النّفْسُ الأبيَّةُ أهْمَلتْ
ماءَ الفُراتِ السَلْسَبِيلِ الجاري
فَاْبنُ البَتُولِ وآلُهُ عَطْشَى فلا
شِربٌ يطيبُ وثَمَّ مَوتٌ سارِ
هانَ الفُراتُ وماؤهُ وزلالُهُ
كرمَى الحسيـنِ وعترةِ المختارِ
ومضيتَ تَحْمِلُ قِربَةَ ملآنةً
رِيّاً إلَى الأزهارِ والأشجارِ
فأتاكَ غَدْراً قاتلٌ ومعانِدٌ
منعَ المياهَ بغَيْلَةِ الغُدَّارِ
و تَناهَشَتْكَ زواحِفٌ وَحشيّةٌ
ترمي السُمومَ بطعنَةِ البتَّارِ
فَسَقَطْتَ مَحزُوناَ صَرٍيعَاً حَيْثُ لَمْ
تَبْلُغْ مُنَى إسْقاءَةِ الأزهارِ
قَدْ كانَ عبّاسٌ مَنارا لِلتُّقَى
والمُتّقُونَ صنيعةُ الغَفّارِ
عَطِشَ الحُسَينُ وصَحْبُهُ وَ عِيالُه
في كربلاءَ العُسْرِ والاِضْرارِ
ليقولَ أهلاً بالشّهادةِ مرحباً
لِحراسة الإسلامِ والأذكارِ
يا سَيّدي العَبّاسَ جُودُك خالِدٌ
وَلْيذْكُرِ التاريخُ ذو الأخْبارِ
فَاْلفَضْلُ من شِيَمِ النفوسِ أصالةً
والجودُ ليس يداً فحسبُ تُدارِي
بكَ استَجِيرُ لِغُربَتِيِ وَ حَشَاشَتِي
يا نِعْمَ مَسْؤولٍ وخَيرَ جوارِ
يا أيها السّاقِي عَطاشى كَربَلا
قُبِلَ الصَّنِيعُ بِحَضْرةِ الجَبّارِ
هذا ضَريحُكَ عالَمٌ يَطْفُو عَلَى
مُقَلِ السَّمَاءِ وَ جَنّةِ الأَنْهارِ