السبب الدقيق للرغبة الشديدة في الطعام لدى معظم الحوامل غير معروف لكن بعض العلماء يعزونه إلى الاضطرابات الهرمونية (شترستوك)
عندما تتغير هرمونات الحوامل، قد يتسبب انخفاض مستويات الدوبامين لديهن في اشتهاء أشياء غريبة، كالآيس كريم والمخللات على سبيل المثال، وهو ما يُعرف بالوحم أو "الوحام" (Craving)، أي الرغبة الشديدة في أطعمة معينة أثناء الحمل.
وتظهر العديد من الدراسات أن الحوامل يصبحن أكثر عرضة للجوع، ويملن إلى اشتهاء "الأطعمة المريحة" الغنية بالسعرات الحرارية والدهون.
وأذهلت المغنية الأميركية بيونسيه الجميع وهي تتناول طعام الإفطار على متن يخت في رحلة بحرية عبر كرواتيا وإيطاليا بصحبة زوجها، بعد إعلان حملها في أواخر عام 2011، وظهرت وهي تأكل بسكويت أوريو بالخيار المخلل، وتخلط الآيس كريم مع صلصة الفلفل الحار، وتغمس الموز في الكاتشب.
كما اضطرت لورين هايز، وهي أم من ولاية ويسكونسن، حامل بطفلها الثاني، "إلى حمل ابنتها البالغة من العمر عاما واحدا تحت المطر من أجل الذهاب لإحضار آيس كريم بنكهة الفانيليا، اشتهته بشكل جنوني"؛ كما ذكرت لموقع "هافبوست" (HuffPost)، وهي مدهوشة، "لأن هذا لم يحدث معها في حملها الأول".
الحوامل يبحثن عن الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من السعرات الحرارية لأنها ترفع مستوى الدوبامين (بيكسابي)
ما السبب؟
في حين أن السبب الدقيق لتلك الرغبة الشديدة في الطعام، لدى معظم الحوامل، غير معروف، فإن الدكتورة جولين برايتن، الطبيبة ومؤلفة كتاب "تعافي جسمك بشكل طبيعي بعد الولادة"، تُرجع رغبة الحامل الشديدة في أطعمة محددة إلى "أسباب هرمونية"، موضحة أن "انخفاض هرمون الدوبامين يجعل الحامل تتوق إلى أي شيء يرفعه مرة أخرى؛ فتبدأ البحث عن الأطعمة التي لم تفكر فيها منذ سنوات، بعد أن أصبحت تهيمن على تفكيرها"، خصوصا الأطعمة المُريحة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون والسعرات الحرارية، "لأنها ترفع مستوى الدوبامين، وتجعلها تشعر بالرضا".
وتفسر برايتن حالة الأم الحامل أليسون دويل براكلي، من تكساس، التي تحدثت لهافبوست، عن "الرغبة الشديدة في أكل المعكرونة والجبن، التي سيطرت عليها في الثلث الأخير من الحمل"؛ ليس فقط مرات عدة كل أسبوع، ولكن مرات عدة في اليوم أحيانا، بأن "دماغ الأم يبدأ بالانكماش في الثلث الأخير من الحمل، مقابل نمو دماغ الطفل"، ولأن الدماغ يحتوي على 60% من الدهون، ترغب الأم في أطعمة مثل المعكرونة والجبن، "للحصول على مزيد من الدهون".
أما أليسا فيتي، اختصاصية التغذية، فتدعم تفسير برايتن بنظرية مفادها "أن الحوامل يتقن إلى الأطعمة التي تمدّهن بالعناصر الغذائية التي يفتقدنها، وأن الرغبة الشديدة في تناول طعام ما تشير إلى أن أجسامهن تحتاج إلى مغذيات محددة، حتى لو لم يكنّ يأكلنها من قبل". فالرغبة الشديدة في تناول الملح؛ لنقص المغنيسيوم، والرغبة الشديدة في تناول منتجات الألبان؛ لنقص الكالسيوم، والرغبة الشديدة في تناول الكربوهيدرات؛ لنقص السعرات الحرارية، والرغبة الشديدة في تناول الدهون؛ لنقص الأحماض الدهنية.. وهكذا.
بين 50% إلى 90% من نساء الولايات المتحدة يعانين من رغبة في تناول أطعمة معينة أثناء الحمل (غيتي)
التوليفات الغريبة هي الأكثر إرضاء
ذكر بحث نُشر في عام 2014 أن نحو 50% إلى 90% من نساء الولايات المتحدة يعانين من رغبة في تناول أطعمة معينة أثناء الحمل، "عادة ما يكون من الصعب جدا مقاومتها"، كما تقول غابرييل ساندلر الأستاذة المساعدة في طب النساء والتوليد بجامعة نيويورك، وهي رغبة "تشتعل في الأشهر الثلاثة الأولى، وتبلغ ذروتها في الثلث الثاني، وتنخفض في الثلث الأخير"، حسب ساندلر.
وقد تحوّل اشتهاء الحوامل للمخللات والآيس كريم إلى نكتة عالمية، وصدر كتاب طهي بعنوان "مخلل وآيس كريم"، يعرض وصفات غريبة، مما تتوق إليها الحوامل.
كما وجدت دراسة استقصائية أن الرغبة الشديدة التي أبلغت عنها الحوامل المشاركات في المسح الفردي من المملكة المتحدة اشتملت على بيض مسلوق مع الفجل، فطر بالثوم مغموس بالكاسترد، جزر مبشور ممزوج بالكاتشب، بطاطا مقلية و"كوكيز" وبيتزا؛ وأن التوليفات الغريبة من الطعام هي الأكثر إرضاء لبعضهن.
في المقابل، قد تشتهي الحوامل في البلدان الأخرى الأطعمة التي تعدّ أساسية في مطبخ بلادهن، أو يخترن الأطعمة الغنية بالمغذيات. فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت على أكثر من 500 حامل في المناطق الريفية في تنزانيا أنهن لا يشتهين "الوجبات السريعة" على الإطلاق، ولكن بدلا من ذلك كانت لديهن رغبة قوية في تناول اللحوم والأسماك والخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة.
وهو ما يُعضد مقولة جوليا هرمز، أستاذة علم النفس بجامعة نيويورك، القائلة إن "الرغبة الشديدة لأطعمة معينة لدى الحوامل تعود إلى أسباب ثقافية ونفسية".
فرق بين الوحم و"البيكا"
وفقا لاختصاصية التغذية جانيت بوب، فإن رغبة الحامل الشديدة في شرب الحليب "قد تشير إلى حاجتها إلى الكالسيوم، أو البروتين والدهون"، وقد يكون من أسباب تلهفها على شرب الحليب بكثرة "حاجتها إلى الشعور بالراحة والدفء، لغنى الحليب بمادة التربتوفان التي تحفز هرمون السيروتونين المعزز للمزاج والنوم".
وعلى العكس من ذلك، تشير رغبة الحامل في مضغ الثلج إلى اضطراب يُسمى "بيكا" (pica)، ينتج عن الهوس بتناول "أشياء لا تُعدّ طعاما، وتفتقر إلى أي قيمة غذائية؛ كالثلج أو الورق أو الطين أو التراب أو الفحم أو الطلاء"، وهو ما يستدعي زيارة الطبيب.
هل الأمر يثير القلق؟
تطمئن برايتن كل حامل، أنه "لا داعي للقلق بشأن الرغبة الشديدة في تناول الطعام المريح أثناء الحمل"، وهو ما تؤكده الدكتورة ساندلر بقولها "إن الانغماس في الرغبة الشديدة أثناء الحمل من حين إلى آخر أمر جيد تماما".
كما أظهرت الدراسات أنه رغم أن الرغبة الشديدة في تناول الطعام أثناء الحمل يمكن أن تسهم في زيادة تناول السعرات الحرارية، "فإن الحد المعقول منها لا يؤثر على الاستهلاك الكلي للطعام، ولا يرتبط بزيادة الوزن المفرطة أثناء الحمل، ولا يُربك نسبة السكر في دم الحامل، أو يتسبب في أي نتائج سيئة للأم أو الطفل عند الولادة".
الرغبة الشديدة في تناول الطعام أثناء الحمل، وفقا للخبراء، إذن "هي جزء طبيعي من الحمل، بل إن من الجيد أن تنغمس الحامل فيها من وقت إلى آخر"، بشرط أن تتحدث إلى الطبيب إذا شعرت بأن الأمر غير صحي لها أو لطفلها.