اللهم صل على محمد وال محمد



قال تعالى: { ... فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْلِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا ... } ، وقال : { ... نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ ... } . كيف يلتئم ذلك مع قوله : { ... وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } ، وقوله : { ... لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى } ؟! .

الكاتب : سماحة العلامة المحقق الشيخ محمدهادي معرفة رحمه الله

النسيان في الآيتَين الأَوّليتَين هو التناسي والتغافل ،أمّا المنفّي في الآيتَين الأخيريتَين فهي الغفلة والنسيان حقيقة .والنسيان ـبمعنى التناسي ـ في القرآن ، كما في قوله تعالى : ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾أي تناسى العهد ولم يأخذ بجدٍّ ؛ إذ لو كان نَسيَ حقيقةً لكان معذوراً ، إذ لا مؤاخذة على التناسي عقلاً ولا لوم عليه

وقوله : ﴿وَلَاتَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ...﴾أي تَغافلوا حضورَه تعالى في الحياة ؛ ومِن ثَمَّ تغافلوا ولم يأخذوا كرامة الإنسان بجدّ .

فقوله تعالى : ﴿قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾يعني نَبَذتَ آياتنا وراء ظهرك ولم تأخذها بجدٍّ ، فكذلك اليوم تُنسى ولا تَشملك العناية الإلهيّة .

وكما في قوله تعالى : ﴿... فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ...﴾ أي استهانوا بشأن الكتاب واستعاضوا به مَتاع الحياة الدنيا القليل ، وهو مِن التغافل في الأمر والتساهل فيه وليست حقيقة الغفلة . وهكذاجاء في الجواب فيما نُسب إلى الامام امير المؤمنين( عليه السلام ) قال :

( أمّا قوله : ﴿... نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ ...﴾فإنّما يعني : نَسوا الله في دار الدنيا ، لم يَعملوابطاعته ، فنَسَيهم في الآخرة أي لم يَجعل لهم في ثوابه شيئاً ، فصاروا منسيّينَ من الخير ، وقد يقول العرب : قد نَسيَنا فلان فلا يَذكُرُنا ، أي إنّه لا يَأمر لنا بخير ولا يَذكُرُنا به ، وأمّا قوله : ﴿... وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ فإنّ ربّنا تبارك و تعالى ليس بالذي يَنسى ولا يَغفل بلهو الحفيظ العليم)