"اهرب، يا صديقي، إلى عزلتك. لقد طالت إقامتك قرب الصعاليك والأدنياء. لا تقف حيث يصيبك انتقامهم الدساس وقد أصبح كل همهم أن ينتقموا منك. لا ترفع يدك عليهم فإن عددهم لا يحصى، وما قدر عليك أن تكون صيادا للحشرات. إنهم لصغار أدنياء ولكنهم كثر. ولكم أسقطت قطرات المطر وطفيليات الأعشاب من صروح شامخات. ما أنت بالصخرة الصلدة ولشد ما فعلت بك القطرات، لسوف يتوالى ارتشافها عليك فتصدعك وتحطمك تحطيما.
لقد أرهقتك الحشرات السامة فخدشت جلدك وأسالت منه الدماء، وأنت تتحصن بكبرك لتكظم غيظك، وهي تود لو أنها تمتص كل دمك معتبرة أن من حقها أن تفعل ذلك لأن دمها الضعيف يطلب دما ليتقوى، فهي لا ترى جناحا عليها إذ تنشب حمتها في جلدك. إن هذه الجروح الصغيرة لتذهب بالألم إلى مدى بعيد في حسك المرهف، فتتدفق صديدا يرتعيه الدود. أراك تتعالى عن أن تمد يدك لقتل هذه الحشرات الجائعة، فحاذر أن يجول سم استبدادها في دمك.
إن هؤلاء المشاغبين يدورون حولك بطنين الذباب، فهم يرفعون أناشيدهم تزلفا إليك ليتحكموا في جلدك ودمك. إنهم يتوسلون إليك ويداهنونك كما يداهنوا الآلهة والشياطين، فيحتالون عليك بالملاطفة والثناء، وما يحتال غير الجبناء."
فريدريك نيتشه