الحسين «ع» في واقعنا
بواسطة : السيد فاضل آل درويش
1 أغسطس، 2022
العنوان العريض للأهداف الحسينية في نهضته المباركة هو تغيير الواقع السيئ وانتشال الناس من وحل الأسر للشهوات والارتهان للأهواء، ووقوعنا على تفاصيل تلك الآفات الأخلاقية التي أوهنت نفوسهم في ذلك الزمن لا يجعلنا في واقع منفصل عن رحم التغيير التي عمل من أجلها الحسين (ع)؛ إذ الفكرة العامة لتلك الحركة هي النظر في الواقع الفردي والمجتمعي وتفحص الحال والبحث عن الأمراض والظواهر السلبية والعمل من أجل اكتشافها ومعالجتها، وبذلك يتحقق هدف الإصلاح والسير على النهج الحسيني لتهذيب النفوس وترشيد المجتمعات، وإلا فإن فهمنا سيكون قاصرًا عن استيعاب تلك الحركة الإصلاحية فنعمل على تحجيمها في بعد زمني ضيّق، بينما رسالات المصلحين عمومًا تستوعب كل زمان ومكان بعد حذف تفاصيلها الدقيقة والعمل على التركيز على الأهداف والغايات المستخلصة منها، ولذا نجد في مقولة (كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء) مصداقًا وتوضيحًا لفكرة الانسيابية للإصلاح الحسيني واستيعابه لكل الآفات التي تضرب النفوس مع تنوعها وتعددها.
فالإصلاح الحسيني يقوم على إحياء النفوس التي تعاني من فيروسات الرذيلة والفساد التي تنهشها، فيمارس المصلحون من أصحاب الهمم العالية دورهم الريادي بالدعوة إلى مكارم الأخلاق والتحذير من مخاطر المعاصي المفضية إلى سخط الله تعالى وحلول نقمته، وبلا شك فإن عملية الإصلاح وتهذيب النفوس ليست بالعمل السهل الذي لا يكتنفه الصعوبات والعثرات، بل وهناك العراقيل التي يصطنعها أصحاب المصالح والمرجفون والمخادعون، فتحتاج في معالجتها وتجاوزها إلى بصيرة ووعي وإدراك بما يحيط بالفرد والمجتمع من أحداث وظروف، وشجاعة الموقف تتطلب تحمل المسؤولية وإدارة المشهد بكل حنكة وصبر ونفس طويل للانتقال من مرحلة إلى أخرى، فمن الدروس المهمة في نهضة الإمام الحسين (ع) هو التعلق بالأمل بالله عز وجل والعمل الدؤوب دون استنزاف الطاقة الروحية والنفسية والوصول إلى محطة التهلكة النهائية وهي خوار القوى واستشراء اليأس، فالكل يمر بمشاكل وأزمات متعددة في حياته وهو ما يمثل سنة إلهية في حياتنا (سنة الابتلاء)، والتعامل معها هو ما تهفو النفوس لمعرفة مفاتيحه للتخلص من تلك المتاعب والشقاء المضني، فكثير من الأمراض النفسية اليوم ترجع إلى عوامل متعددة، ومنها: حالة الإحباط وفقدان الثقة بالنفس بسبب مواجهة أزمة عاطفية أو إخفاق في الدراسة أو العمل أو خلافات تعصف بالعلاقة بين الزوجين، وبالرجوع للموقف الحسيني الباسل نتعلم الاقتدار ومواجهة التحديات والظروف القاسية والعمل على معالجة ما نمر به من مشكلة، وما أجمله من درس نضمنه في منهجنا التربوي لأطفالنا وتعليمهم تحمل مسؤولية أخطائهم وأوجه تقصيرهم، فالحياة ميدان كفاح وسعي دؤوب وإرادة بعد أي سقوط للنهوض مجددًا ومعاودة العمل بعد الاستفادة من أخطاء الماضي.
الإصلاح الحسيني في كل عصر يقوم على أساس الثقة بالنفس ومعرفة ما يحمله الفرد من قدرات وإمكانيات والعمل على تنميتها من خلال الدورات التدريبية، ففي كل زمن له متطلباته الرسالية وأدواته وآلياته المفضية إلى النجاح، فالواقع المأزوم المثقل بمختلف المخالفات الممزقة للقيم الإنسانية يمكن التعامل معه بطريقة منطقية، فعندما تعلو النبرة المادية وتطغى النفوس فتعمل على تحقيق المصالح الضيقة مع تبلد المشاعر الوجدانية تجاه الآخرين تحتاج إلى ما يصلحها ويعيد شحنها الروحي والتربوي، فالعودة إلى بوتقة تهذيب النفوس ومحاربة النقائص والعيوب تتطلب فهمًا وعملًا للتخلص من ذلك الصدأ.
ونتعلم من الإمام العظيم الذي واجه كل تلك المواقف الصعبة والمصائب التي تهد الجبال بكل بسالة وهدوء نفس وصبر لا نظير له؛ إذ لو سلطت الأقلام المنصفة على واقعة الطف ومواقف الإمام الحسين (ع) وما كان عليه من رباطة جأش وثبات وبسالة وهدوء نفس في موقف صعب جدًا لأبرزت عظمته؛ إذ ما خرج لسانه عن الصواب والمنطقية ولا مواقفه عن الرجاحة والحنكة والالتزام بالقيم التي نادى بها، ولما كانت الإنسانية تنعم بمثال يحتذى به عبر الأجيال لإشعال روح الاستقامة والوعي فيهم.