شابتان صينيتان ترتديان الأزياء التقليدية مع مظلة من الأزهار (شترستوك)
تحرص وزارة الثقافة الصينية على تشجيع الشباب الصيني على ارتداء الملابس التقليدية الصينية لقومية "هان" والتي تشكل أكثر من 90% من عموم سكان الصين. وزاد هذا الحرص مع بداية انتشار جائحة كورونا في الصين.
ويسمون الملابس التقليدية "هان فو"، و"هان" هي اسم القومية و"فو" هي جزء من كلمة صينية "فو جوانغ" وتعني ملابس، وهي شبيهة بـ"الكيمونو" الياباني و"الهانبوك" الكوري.
واحدة من ممثلي أوبرا بكين تتدرب في حديقة عامة بمقاطعة لوانان وهي ترتدي الزي التراثي (شترستوك)
وتشتمل "هان فو" على نوعين من الملابس؛ اللباس الرسمي واللباس العادي، واللباس الرسمي يتم ارتداؤه في المناسبات المهمة، مثل حفلات الزفاف، وما إلى ذلك.
أما اللباس العادي؛ فهو من الملابس التقليدية اليومية غير الرسمية. وتتميز جميعها بالتيجان والأطواق والأحذية القماشية، والألوان المتألقة والمطرزات، والأحزمة الحريرية الملونة المربوطة حول الخصر.
عروس من قومية هان تلبس ملابس "هان فو" الرسمية (شترستوك)
في الريف والمدينة
وفي الوقت الحاضر، باتت تنتشر ملابس "هان فو" بكثرة في المدينة والريف، وتصفها النساء بأنها خفيفة كنسيم الفجر، وتطير كالأوراق مع الريح، وجميلة كالمطرزات التي حيكت عليها.
ويعود تاريخ توثيق صناعة هذه الملابس إلى منتصف القرن الـ17 الميلادي (أواخر عهد الأباطرة من أسرتي مينغ وتشينغ)، مع أنها تختلف بشكل واضح عن نظام الملابس والإكسسوارات التقليدية للمجموعات العرقية الأخرى؛ إلا أنها تشترك معها في تمازج الألوان ووضوحها، والتطريز وتنوع أنواع الأقمشة في صناعتها، وقد سجل أكثر من 30 من أنواعها كفن تراثي محمي، وسجلت صناعتها كحرفة صينية تراثية.
دميتان بالحجم الطبيعي لفناني أوبرا صينية في زي كامل معروضة على مسرح الأوبرا في متحف هونغ كونغ للتاريخ (شترستوك)
ومن الأمور التي ساعدت بسرعة انتشار "هان فو" في السنوات الثلاث الأخيرة هي مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، حيث ازداد عدد المعجبين بـ"هان فو" بشكل مضطرد من 6 ملايين متابع عام 2017، وعلى أكثر من مليارَي متابع ومشاهد مع نهاية 2021، وهو العام الذي صار الأكثر جذبا وانتشارا لملابس "هان فو"، وباتت "هان فو" أكثر "الأزياء" شعبية بين الشباب الصيني.
وهكذا أصبح من المألوف أكثر فأكثر ارتداء "هان فو" للتزين والخروج، وامتلأت الشوارع والأزقة بالتنانير المتدلية المليئة بالروح والإحساس بعبق التاريخ والتراث.
من المألوف أكثر فأكثر ارتداء "هان فو" للتزين والخروج في ريف ومدن الصين (شترستوك)
مبيعات إلكترونية
بلغت مبيعات التجارة الإلكترونية لـ"هان فو" في عموم الصين عام 2021 ما يقرب من 8 مليارات يوان؛ أما المبيعات المباشرة 2 مليار؛ ما مجموعه (1.5 مليار دولار).
وتراوحت أسعار ملابس "هان فو" بين 200 يوان (30 دولارا) للأنواع العادية إلى 5 آلاف يوان (700 دولار) للأنواع المصنعة من أجود الأقمشة والخيوط. وهناك أكثر من 3 آلاف شركة تصمم وتبيع "هان فو"، وتنتشر أكثرها في مدن هانجو وغوانجو وتشندو ومعظمها جنوب الصين وشرقها حيث تتركز قومية هان.
امرأة بالزي التقليدي الصيني ترتدي فستانا أحمر وتضع تاج ملكة صينية (شترستوك)
الإحساس بالتاريخ
ومما ساعد في انتشار "هان فو"؛ الاحتفالات وإقامة المهرجانات في أماكن مختلفة من الصين كل سنة في الثالث من مارس/آذار، وتقول مغنية الأوبرا الصينية تشهن الملقبة (أميرة)؛ عندما ألبس "هان فو" أشعر أنها تمنحني المتعة والتسلية والإحساس بالتاريخ، كما أنها مناسبة جدا ومريحة للبس في الحل والترحال.
وتهتم الجهات المهنية بالتراث الصيني بتوجيه الطلبة للاهتمام بتراث بلادهم وثقافتها عبر الطلب من المشاركين في الحفلات المفتوحة بارتداء الأنماط التقليدية من "هان فو"، كما شجعت على لبس "هان فو" في الأنشطة الشعبية والمآدب والأعراس والحفلات الكوميدية وكذلك مشاهد الرقص والأعمال المسرحية.
ومنحت ملابس "هان فو" المصنّعين فرصا كبيرة في سوق الإنتاج، وخلقت فرص عمل لأكثر من 100 عامل وعاملة، كما ساهمت في استعادة ألق ملابس "هان فو"، والتي يمتد تاريخها إلى أكثر من ألف عام.
شاب يجسد شخصية نبيل من العصور الوسطى من الصين يرتدي ملابس تراثية مستوحاة من القرن الـ14 (شترستوك)
وباتت التدابير الحكومية جلية في اعتبار "هان فو" كنزا وطنيا، وقد دعت الجميع إلى "حماية التاريخ وحماية ملابس الصين". فهو من الأزياء الوطنية الخاصة بالصين وكثير من المهرجانات التقليدية التي ارتدى منفذوها ملابس "هان فو" أبهرت العالم بجمالها الأخاذ وطلتها البهية.
وسيبقى سوق "هان فو" واعدا ما دامت الأجيال تهتم به وتتوارثه جيلا بعد جيل شرط أن يلقى الدعم الكافي لحمايته وانتشاره؛ كما أن الجيل الجديد بدأ يعي تماما أنه قيمة الحاضر تشتق من إنجازات وحضارة الأجداد ومنها "هان فو".
إن "هان فو" تدمج الجوهر الدقيق والمقيّد للثقافة الصينية التقليدية. إنها أنيقة ورشيقة، وإنها تطير وتحلق كالملائكة السماوية.