الحسناوي تطوّعت في صفوف الجيش العراقي بدعم من عائلتها
يواجه التحاق المرأة العراقية بصفوف الجيش العراقي جدلا ونقاشا حادا، بين مؤيد انطلاقا من المساواة مع الرجل، ومعارض لاعتبار محدودية قدرة النساء الجسدية، خاصة فيما يتعلق بالمهام القتالية.
وتسعى المرأة العراقية لأن تأخذ دورها في مجالات الحياة المتعددة، وتنخرط في مهن صعبة يحتكرها الرجال، متحدية بذلك نظرة المجتمع والتقاليد والأعراف العشائرية.
وبعد أن عملت في مجالات مختلفة وأثبتت جدارتها، اتجهت المرأة نحو الانتساب إلى القطاع العسكري، وعملت بجد للمشاركة في الوزارات الأمنية رغم القيود المجتمعية والنظرة الذكورية لمثل تلك الأعمال.
ففي عام 1977، عملت طالبات الطب والعلوم والتمريض بصفة "ضابط" في القوات المسلّحة العراقية، لكن مع بداية الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 صدر قرار بإيقاف منح الرتب العسكرية للنساء، والاكتفاء بتعيين المتعاقدات بصفة مدنية.
وفي عام 2005، دُعيت النساء للتطوع في القوات المسلحة العراقية من جديد، لكنهن لم يعطين مساحة واسعة، فغالبا ما توكل للنساء مهمات الطبابة والإدارة وغيرها من الأعمال غير القتالية فقط.
المراسلة الحربية حنين الحسناوي انضمت للجيش والتحقت بمديرية الإعلام والتوجيه المعنوي
الحاجة للعمل ومصدر للرزق
ويبدو أن اقتحام المرأة الوظائف التي تتطلب قوة بدنية وشدة في التعامل، لم يكن لمجرد كسر حاجز المجتمع وإثبات الذات، بقدر حاجة المرأة للعمل من أجل توفير لقمة عيش كريمة في بلد أنهكته الحروب والأزمات الاقتصادية.
وفي هذا الجانب، تقول المراسلة الحربية العراقية حنين الحسناوي "بعد تعرّضي أنا وعائلتي لعملية سطو مسلح عام 2003، تمنيت أن يكون لي دور للمساهمة في فرض الأمن، وبعد تخرجي من الجامعة وحصولي على شهادة البكالوريوس في هندسة الحاسبات، أصبح أمام ناظري الانضمام للجيش العراقي خدمة لوطني وللحصول على راتب أعيل به عائلتي".
وتضيف الحسناوي التي تسكن في العاصمة بغداد -للجزيرة نت- "كانت عائلتي داعمة لي بعد التحاقي بالجيش. قمت بخدمة الجنود الجرحى في مديرية الأمور الطبية العسكرية، ثم بعد ذلك انتقلت إلى مديرية الإعلام والتوجيه المعنوي".
وتتابع المراسلة الحربية التي تعد أول قافزة مظلية في وزارة الدفاع بعد عام 2003، "قمت بإجراء تغطيات إعلامية في المناطق الساخنة، كقضاء الطارمية (شمال) وقضاء بلد (شمال) وغيرها، والآن أقدم برنامج الحصاد الأسبوعي الذي يعرض على مواقع التواصل الاجتماعي الرسمية لوزارة الدفاع، وأسعى إلى أن أكون خير مثال للمرأة العراقية".
وعن معوقات العمل، توضّح الحسناوي قائلة "لا يخلو أي عمل من المعوقات، ولكن بالدبلوماسية واتخاذ القرار المناسب، والأهم هو استشارة المراجع العليا والأخذ بنصيحتهم يتم تجاوز تلك المعوقات".
العميد الركن أنغام في اجتماع يضمّ قيادات بالجيش العراقي (مواقع التواصل)
العادات ونظرة المجتمع
وتتدنى نسبة حضور المرأة في الجيش العراقي بحكم عوامل تاريخية وثقافية، وبتأثير من الأعراف والعادات، فلا يتجاوز حضورهنّ في السلك العسكري حتى الآن على 700 امرأة، بما فيها قسم الطبابة العسكرية، بينهن نحو 200 ضابطة، فيما يقدر الحضور المدني للنساء في وزارة الدفاع بنحو 1700 امرأة.
وعن تأثير المجتمع في الوقوف عائقا أمام تحقيق هذه الرغبة، تذكر المواطنة مريم: "كنت أحلم منذ صغري بالانضمام إلى المؤسسة العسكرية لخدمة بلدي، وأن أعمل في الجانب الطبي لإسعاف الجنود الجرحى، وبالفعل قمت بالتقديم على هذه الوظيفة".
وتضيف الفتاة التي تسكن في إحدى المحافظات الجنوبية، للجزيرة نت، "لكن بسبب العادات والتقاليد السائدة في المجتمع، واجهت رفضا من عائلتي، فلم تتقبل أن أنتسب إلى المؤسسة العسكرية، مما اضطرني إلى ترك هذا المجال، لكنني لا زلت أرغب به حتى الآن".
حالة لافتة هي السيدة أنغام أحمد مفيد سعيدة التي أصبحت أول امرأة في العراق برتبة عميد ركن في الجيش العراقي منذ تأسيسه مطلع عشرينيات القرن العشرين، ذلك لأن كلية الأركان العراقية كانت حكرا على الرجال فقط، لكن كفاءة العميدة أنغام وقوتها مكنتها من نيل الشريط الأحمر بجدارة.
المجتمع العراقي في الغالب ضد انخراط المرأة في السلك العسكري، إلا أن هذه النظرة آخذة في التغير، بحسب ما يقول الفريق الركن المتقاعد حسن البيضاني.
البيضاني لفت إلى أن المرأة العراقية شاركت في مهام قتالية ضمن القوات العراقية
ويوضح البيضاني للجزيرة نت أن المرأة العراقية بدأت العمل داخل السلك العسكري في الطبابة والقوة الجوية والمطابع العسكرية ومكافحة الشغب، فضلا عن القيام بمهام الدوريات مع رجال الشرطة، كما أن هناك سرية خاصة بالانضباط العسكري من النساء، وللبيشمركة (القوات التابعة لإقليم كردستان العراق) فوج متكامل من النسوة يقارب تعداده 600 امرأة، كما تعمل المرأة في بعض النقاط الأمنية التي تحتاج لتواجد النساء، بالإضافة إلى مجالات أخرى مختلفة.
وقال البيضاني إن النساء شاركن بشكل أو بآخر في مهام قتالية، كمشاركتهن في شارع حيفا (وسط بغداد) إبان مواجهة الأعمال الإرهابية، كما ساهمن في عملية فرض القانون، والحرب على تنظيم الدولة. لكن بشكل عام لا يعوّل على المرأة كمقاتلة، وإنما في الجوانب الأخرى".
شذى قاسم: التحدّي الأكبر للمرأة المتطوعة في الجيش هو في الحفاظ على الأمومة
دور المرأة
أما عن نظرة المجتمع لعمل المرأة في السلك العسكري، فتقول الباحثة الاجتماعية الدكتورة شذى قاسم إن "المجتمع العراقي همّش دور المرأة، بزعم أنها مخلوق ضعيف تقتصر مهامه على البيت، وهذا غير صحيح تماما، فالكثير من النساء تسلمن مناصبا عليا سياسية وعسكرية في مجتمعات أخرى".
وتضيف شذى للجزيرة نت "يبدو أن المجتمع العراقي أدرك مؤخرا أهمية دور النساء في جوانب الحياة المختلفة، فأصبحنا نرى نساء ينخرطن في السلك العسكري، وهذا أمر جيد وفي قمة الارتقاء بالتفكير، فخدمة الوطن لا تقتصر على الرجال فقط، وآن الأوان أن تترك المرأة العراقية بصمة يخلدها التاريخ في خدمة بلدها".
واستدركت الباحثة الاجتماعية قائلة "لكن في الوقت نفسه على المرأة أن توازن ما بين الواجبين الوظيفي والعائلي، فالتحدّي الأكبر للمرأة المتطوعة في الجيش هو في الحفاظ على الأمومة".