يعاني العراق منذ سنوات من تفاقم مشكلة التصحر وتراجع المساحات الخضراء في عموم البلاد، وهو ما أدى إلى تداعيات كارثية تمثلت في ازدياد العواصف الترابية، وتسجيل ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة
الحملة تنوعت بين أشجار الصنوبر والبلوط لأنها لا تحتاج إلى كثير من العناية والري
تشهد محافظات إقليم كردستان العراق حملات شعبية عديدة لزراعة الأشجار واستعادة الطبيعة الخضراء لتلك المناطق الجبلية، بعد أن فقدت نحو 20% من نباتاتها منذ عام 2014، في حين فقدت 47% من أشجارها مقارنة بعام 1999، وفق إحصاءات رسمية للإقليم.
وأعلن العديد من الأشخاص والمنظمات المحلية مبادرات لزراعة الأشجار في الإقليم ومناطق العراق الأخرى، لكن معظم تلك المبادرات بحاجة إلى مزيد من التنظيم وتنسيق الجهود.
هكار إسكندر (الأول يسارا) بدأ بفكرة التشجير نهاية عام 2021 بالتعاون مع زوجته وأطفاله
مليون شجرة
وفي قرية "كورة"، التي تقع على بعد 20 كلم شرق محافظة دهوك بكردستان العراق، يسعى المزارع هكار إسكندر (39 عاما)، إلى زرع مليون شجرة بلوط خلال السنوات المقبلة.
ويقول إسكندر، في حديثه للجزيرة نت، إن فكرة التشجير بدأت تراوده منذ عام 2016، لكنه بدأ بتنفيذها الفعلي نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بالتعاون مع زوجته وأطفاله، ويشير إلى أنه زرع 20 ألف شجرة في أطراف محافظة دهوك، بين ناحية زاويتة وقريته، وتنوعت بين أشجار الصنوبر والبلوط لأنها لا تحتاج إلى كثير من العناية والري.
واختار إسكندر الجبال وبعض السهول القريبة منها، لزراعة أشجاره لكنه اضطر للتوقف خلال الصيف، على أن يستأنف بداية الشتاء، ويؤكد أن كل هذه الأشجار زرعها على نفقته الخاصة، ولم يتلق أي دعم من أي جهة حتى الآن.
خضر يرى مساعي هكار لزراعة مليون شجرة مبادرة طموحة ومسؤولة وستنجح بشكل كبير
مبادرة طموحة
من جانبه، يصف الصحفي غسان خضر مساعي هكار لزراعة مليون شجرة بأنها مبادرة طموحة ومسؤولة، وستنجح بشكل كبير، لأنه فلاح، ويعي تماما متطلبات الزراعة وتبعاتها.
ويضيف خضر، للجزيرة نت، أن "مكافحة التصحر تحتاج إلى عمل دؤوب ومنظم، فالأمر لا يقتصر على زراعة الأشجار، بل لا بد أيضا من الحفاظ على ما هو موجود وحمايته من القطع والحرق والتجريف".
إقليم كردستان يشهد حملات شعبية عديدة لزراعة الأشجار واستعادة الطبيعة الخضراء للمناطق الجبلية
ويشير إلى أنه رغم أهمية هذه المبادرة، فإن تأثيرها قد يكون محدودا، لأن العراق يحتاج إلى 14 مليار شجرة للقضاء على التصحر، حسب تصريح وزارة الزراعة العراقية، "وهذا الرقم المهول يحتاج إلى تكاتف جهود حكومية ورصد أموال للعملية ولا يمكن للمبادرات هنا وهناك أن تحل هذه المعضلة".
ويحذر خضر من خطورة مستقبل أزمة المياه في العراق، التي أدت إلى جفاف الأنهار وانخفاض مناسيب بعضها، في مشاهد صادمة دفعت كثيرا من الفلاحين إلى ترك الزراعة، خصوصا على حوض نهر دجلة.
عثمان: الهدف من حملات التشجير هو تعويض ما يتم قطعه وحرقه كل شتاء
جذب السياح
وبدوره، رحب بيار إسماعيل عثمان (42 عاما) -وهو صديق مقرب من هكار- بما قام به زميله، مؤكدا تشجيع سكان المنطقة له، من أجل الاستمرار بهذا العمل، كما أن بعضهم وعدوه بمساعدته في المستقبل لتحقيق حلمه.
ويؤكد عثمان -في حديثه للجزيرة نت- أن زراعة أشجار البلوط تضفي جمالا طبيعيا على المنطقة وتجذب المزيد من السياح، لأنها توفر الظل وتجعل المكان أكثر برودة إذ تحجب أشعة الشمس، كما أنها أشجار معمرة وفيها منافع كثيرة.
ويوضح أن هدف مبادرات التشجير هذه -في الأساس- هو تعويض ما يتم قطعه وحرقه كل شتاء لأغراض التدفئة وغيرها، معربا عن اعتقاده أن أي مبادرة من هذا القبيل ستكون لها عوائد إيجابية على هذه المناطق، وقد تسهم في مواجهة التصحر إلى حد ما.
انحسار الغابات
ويعاني العراق منذ سنوات من تفاقم مشكلة التصحر وتراجع المساحات الخضراء في عموم البلاد، الأمر الذي أدى إلى تداعيات كارثية تمثلت في ازدياد العواصف الترابية، وتسجيل ارتفاعات قياسية بدرجات الحرارة.
وتشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة إلى أن مساحة الغابات في العراق لم تعد تشكل سوى 8250 كيلومترا مربعا، أي ما نسبته 2% من مساحة البلاد.
ويتركز انتشار معظم الغابات العراقية في المناطق الجبلية عند الحدود التركية والإيرانية ضمن إقليم كردستان، في حين تغطي الصحاري الشاسعة أكثر من نصف مساحة العراق.
وتعزو المنظمة الأممية انحسار الغابات إلى أسباب كثيرة، منها عوامل التعرية والتغيرات المناخية وشح المياه، فضلا عن العمليات العسكرية والقطع الجائر والتمدد السكاني، وغير ذلك.