قصة المباهلة
أمر الله تعالى نبيّه بالمباهلة إذا جاءه من يجادله من بعد ما جاء من العلم والمعرفة، وأمره أن يقول لهم: إني سأدعو أبنائي، وأنتم أدعوا أبناءكم، وأدعو نسائي، وأنتم ادعوا نساءكم، وأدعو نفسي، وتدعون أنتم أنفسكم، وعندئذٍ ندعو الله أن ينزل لعنته على الكاذب مناّ ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾.
قضية المباهله بهذا الشكل لم تكن معروفة عند العرب، بل كانت أسلوباً يبيّن صدق النبي (ص) وإيمانه بشكل قاطع. إذ كيف يمكن لمن لا يؤمن كلّ الإيمان بعلاقته بالله أن يدخل هذا الميدان، فيطلب من معارضيه أن يتقدموا معه إلى الله تعالى يدعونه أن ينزل لعناته على الكاذب، أن يروا سرعة ما يحل بالكاذب من عقاب؟! لا شك أن دخول هذا الميدان خطر جداً، لآن المبتهل إذا لم يجد استجابة لدعائه ولم يظهر أي أثر لعقاب الله تعالى على معارضيه، فلن تكون النتيجة سوى فضيحة المبتهل. فكيف يمكن لإنسان عاقل ومدرك أن يخطو مثل هذه الخطوة دون أن يكون مطمئناً إلى النتيجة في صالحه؟ لهذا قيل إنّ دعوة رسول الله (صلى الله تعالى عليه وآله إلى المباهلة تعتبر واحداً من الأدلة على صدق دعوته وإيمانه الراسخ بها، بصرف النظر عن النتائج التي كانت ستكشف عنها المباهلة.
عند عرض هذا الاقتراح للمباهلة، طلب ممّثلو مسيّحي نجران من رسول الله تعالى أن يمهلهم بعض الوقت ليتبادلوا الرأي مع شيوخهم. فكان لهم ما أرادوا. وكانت نتيجة مشاوراتهم _التي تعتمد على ناحية نفسية_ هي أنّهم أمروا رجالهم بالدخول في المباهلة دون خوف إذا رأوا محمداً قد حضر في كثير من الناس ووسط جلبة وضوضاء، إذ أن هذا يعني أنّه بهذا يريد بثّ الرعب والخوف في النفوس وليس في أمره حقيقة. أمّا إذا رأوه قادماً في بضعة أنفار من أهله وصغار أطفاله إلى الموعد، فليعلموا أنّه نبي الله تعالى حقاً، وليتجنبوا مباهلته.
وقد حضر المسيحيّون إلى المكان المعيّن، ثم رأوا أن رسول الله(صلى الله تعالى عليه وآله ) أقبل يحمل الحسين عليه السلام على يد ويمسك الحسن عليه السلام باليد الأخرى ومن خلفه علي وفاطمةعليهم السلام ، وهو يطلب منهم أن يؤمنوا على دعائه عند المباهلة، وإذ رأى المسيحيّون هذا المشهد استولى عليهم الفزع، ورفضوا الدخول في المباهلة، وقبلوا التعامل معه بشروط أهل الذمة.