(نظرة عن تعريف الاتجار بالبشر في بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال وقانون مكافحة الاتجار بالبشر العراقي رقم 28 لسنة 2012 )
منذُ عصورٍ بعيدةٍ في أعماقِ التاريخِ الإنسانيِّ نشأت ظاهرةُ الاتجارِ بالبشرِ، فكان الاستغلالُ البشعُ للإنسانِ غايةً والاستعبادُ وسيلةً، وأسواقُ النخاسةِ مجالاً، والرقيقُ سلعةً، فكان الإذلالُ والامتهانُ عنواناً لهذه العبوديةِ فلمْ يعرف التاريخ بداية لاستعباد الإنسان لأخيه الإنسان، فمنذ أن عرفت الحضارات ودوِّنَ التاريخ كان الرقُ موجوداً، فكان نظاماً اجتماعياً قائماً. وعلى الرُغْمِ من تقدمِ الحضارات الإنسانية وتطورها المدنيِّ فقد استمرت ظاهرةُ الاتجارِ بالبشرِ ماثلةً أمامنا شاخصةً في مجتمعاتٍ عديدةٍ من بقاعِ العالمِ، فقد زالتْ الصورةُ التقليديةُ حولَ استرقاقِ العبيدِ وتقييدهُم بالحديدِ والسلاسلِ فيما بقي في عصرِنا مضمونُ الفعلِ قائماً تعكسه عناوين أخرى حيثُ لبستْ هذهِ التجارةُ البشعة أقنعةً جديدةً وتقمصتْ صوراً متنوعةً. الاتجارُ بالبشرِ، هو انتهاكٌ لحقوقِ الإنسانِ، وهو ظاهرةٌ تمسُّ بتأثيرها جميعَ الدولِ، ذلكَ بوصفهِ جريمةً منظمةً في كثيرٍ من الأحيانِ تُرتَكبُ على المستويين الوطني والدولي لا يقف عند أي حدودٍ جغرافيةٍ أو ثقافيةٍ أو سياسيةٍ كما إنه يُعَدُ ثالثَ أكبرِ تجارةٍ غير مشروعةٍ في العالمِ بعدَ الاتجارِ غيرِ المشروعِ في السلاحِ والمخدرات وضحايا هذه الجريمة ومرتكبيها على حدٍ سواءٍ ينحدرون من أنحاء العالمِ جميعاً فقد تحول الاتجارُ بالبشرِ إلى ظاهرةٍ عالميةٍ، تفرضُ نفسها على الأجندةِ الدوليةِ. وقدْ تضافرتْ جهودُ المجتمعِ الدولي لمحاربةِ هذه الظاهرة بمجموعةٍ من الاتفاقيات، كان أهمها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لعام 2000 وقد اُلحِقَ بها بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجارِ بالأشخاصِ وخاصةً النساء والأطفال، للقضاءِ على هذه الظاهرة، التي مازالت تخضعُ لها أعدادٌ ضخمةٌ ومتزايدةٌ من البشرِ الذين يُستَغلونَ جنسياً أو جسدياً أو الاثنين معاَ، داخل وعبرَ الحدودِ الوطنية لبلدانِهم بوسائلٍ وطرائقٍ شتى سواء باستعمال العنفِ أو الخداعِ.
عرف بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال, المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لعام 2000 الاتجار بالبشر في المادة الثالثة فقرة (أ) بأنه " تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواءهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص أخر لغرض الاستغلال، ويشمل الاستغلال كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء" , أما الفقرة (ب) من المادة الثالثة من البروتوكول فقد نصت على أنه " لا تكون موافقة ضحية الاتجار بالبشر على الاستغلال المقصود المبين في الفقرة الفرعية (أ) من هذه المادة محل اعتبار في الحالات التي يكون قد استعمل فيها أي من الوسائل المبينة في الفقرة الفرعية (أ)" لان في أغلب حالات الاتجار بالبشر توجد موافقة أولية (رضا أولي) أو تعاون أولي فيما بين الضحايا والمتجرين، ومن ثم تعقب ذلك ظروف القسر أو الإساءة المؤذية في المعاملة أو الاستغلال في مرحلة لاحقة. لكن أي موافقة أولية تصبح باطلة بالفعل لاحقاً من جراء الخداع الأولي، أو وقوع القسر لاحقاً، أو أي استغلال للسلطة في مرحلة ما في مسار العملية وتوضح الفقرة الفرعية (ب) إن الموافقة تصبح لا محل لها من الاعتبار في الأحوال التي يكون قد استخدم فيها أي من الوسائل المنصوص عليها. أما الفقرة (ج) من المادة نفسها فقد نصت على انه "يعتبر تجنيد طفل أو نقله أو تنقليه أو إيواءه أو استقباله لغرض الاستغلال اتجاراً بالأشخاص حتى إذا لم ينطو على استعمال أي من الوسائل المبينة في الفقرة الفرعية (أ) من هذه المادة ". وقد حددت الفقرة (د) من هذه المادة المقصود بالطفل بقولها " يقصد بتعبير الطفل أي شخص دون الثامنة عشر من العمر". يمثل هذا التعريف أول تعريف واضح ومتفق عليه دولياً بشأن الاتجار بالبشر، فالبروتوكول إنما يعرف الاتجار بالبشر لغرض تحديد نطاق البروتوكول ذاته، كذلك لتوافر أساس مشترك لصياغة القوانين الداخلية بشأن الأفعال الإجرامية فكل الدول الأطراف في الاتفاقية ملزمة بموجب المادة الخامسة من البروتوكول بتجريم الاتجار بالبشر أما بصفته جرماً منفرداً وأما في إطار مجموعة من الجرائم التي تشمل على الأقل كامل نطاق السلوك المشمول بالتعريف. ويرتبط الإلزام الأساسي بتقرير الجرائم الجنائية ارتباطاً مباشراً بتعريف الاتجار بالبشر لذلك فان هذا التعريف محوري في أية تشريعات يسعى بواسطتها إلى تنفيذ البروتوكول. ووفقاً لهذا التعريف يتكون الاتجار بالبشر من العناصر الآتية:
- الفعل المتمثل في تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقليهم أو إيوائهم أو استقبالهم.
- ـالوسائل المتمثلة في التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو حالة استضعاف أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر، وبالطبع إن هذه الوسائل لا يلزم استعمالها جملة واحدة بل تتحقق جريمة الاتجار بالبشر باستعمال وسيلة من هذه الوسائل ويؤكد ذلك استعمال عبارة (أو) وهي تفيد التخيير ولم يستعمل (و) وهي للمصاحبة والمشاركة.
- الغرض من الاستغلال إن البروتوكول لم يعرف الاستغلال بل تضمن قائمة غير حصرية بأشكال الاستغلال التي تشمل كحد أدنى استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء. ويتمثل الالتزام في تجريم الاتجار بالبشر بصفته مجموعة من العناصر لا العناصر منفردة في حد ذاتها، ومن ثم فان أي سلوك يجمع بين أي من الأفعال والوسائل المذكورة ويسلك لأي من الأغراض المذكورة لابد من تجريمه بصفته اتجار بالبشر.
أما المادة الرابعة من البروتوكول فقد نصت على" ينطبق هذا البروتوكول باستثناء ما ينص عليه خلافاً لذلك على منع الأفعال المجرمة وفقاً للمادة (5) من هذا البروتوكول والتحري عنها وملاحقة مرتكبيها حيثما تكون تلك الجرائم ذات طابع عبر وطني وتكون ضالعة فيها جماعة إجرامية منظمة وكذلك على حماية ضحايا تلك الجرائم “. وبذلك فان البروتوكول ينطبق على جريمة الاتجار بالبشر الوارد تعريفها في المادة الثالثة فقرة (أ)
عندما تكون تلك الجرائم ذات طابع عبر الوطني وتضلع فيها جماعة إجرامية. عرَّفَ قانون مكافحة الاتجار بالبشر العراقي رقم 28 لسنة 2012 الاتجار بالبشر في المادة الأولى بأنه " تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل ألقسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية ".
ومن التعريف أعلاه يتبين أن المشرع العراقي قد سار على نهج بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال في تعريف الاتجار بالبشر إلا أنه أجرى عليه بعض التعديلات منها، إنه لم ينص على "استغلال حالة الاستضعاف " كوسيلة من وسائل الاتجار بالبشر بل اكتفى
بالتهديد بالقوة واستعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر، كما نلحظ أن المشرع قد رفع من التعريف صورتين هامتين من صور الاتجار بالبشر هي" الاستعباد والممارسات الشبيهة بالرق.
كذلك استبدل المشرع عبارة "نزع الأعضاء البشرية " الواردة في البروتوكول بعبارة " المتاجرة بالأعضاء البشرية " في حين إن عبارة " نزع الأعضاء البشرية " ذات معنى أوسع من عبارة " المتاجرة بالأعضاء البشرية ", لأنه من الممكن إن ينزع شخص أعضاء شخص آخر من دون المتاجرة بها, ومثـــــــال ذلك أن تخطف عصابة إجرامية شخصاً ما لأخذ عضو منه وزرعه في جسد أحد أعضائها، هذا من جانب ومن جانب آخر فان ذكر عبارة المتاجرة بالأعضاء البشرية بدلاً من عبارة نزع الأعضاء يسبب إرباكا للقائمين على تطبيق القانون فيخلط بين تطبيق هذا القانون وقانون عمليات زرع الأعضاء البشرية رقم 85 لسنة 1986(1).
كما إن المشرع العراقيِّ نص على وسيلة الخداع إلى جانب الاحتيال وهذا أمر منتقد كون تعبير الخداع مرادف لتعبير الاحتيال لذلك كان الأفضل الاكتفاء بإيراد إحدى الوسيلتين لان ذكر التعابير المترادفة يعد امرأ غير محبذ فكلما كان النص مختصراً كلما كان أكثر دقة.
كما إنه ذكر صور الاستغلال على سبيل الحصر خلافاً لما ورد في البروتوكول الذي ذكرها على سبيل المثال إلا إنه نص على غرض آخر للاتجار وهو البيع لذا فإن جريمة الاتجار بالبشر وفقاً للتشريع العراقي ممكن أن يكون الغرض منها البيع أو الاستغلال خلافاً لما ورد في البروتوكول والكثير من التشريعات المقارنة التي نصت على أن يكون الغرض من جريمة الاتجار بالبشر هو الاستغلال.
ويوجه لهذا التعريف أيضا الانتقاد نفسه الموجه للتعريف الوارد في قانون مكافحة الاتجار بالبشر الإماراتي كونه عرف الاتجار بالبشر بأنه " تجنيد الأشخاص " وهذا يعني إن محل جريمة الاتجار بالبشر هو أشخاص عدة وليس شخصاً واحداً.
إن المشرع العراقيِّ قد أغفل عن ذكر نص مماثل لنص المادة (3/ج) من البروتوكول المتضمن استثناء الجرائم التي تقع على الأطفال من الوسائل المنصوص عليها وهذا يعني إن جريمة الاتجار بالبشر لا تتحقق طبقا للنص العراقي إذا وقعت على الأطفال إلا باستعمال الوسائل المنصوص عليها في المادة الأولى في حين يتوجب عدم اشتراط ذلك في الاتجار بالأطفال خصوصاً الأطفال الصغار جداً كالرضع والذي يتصور وقوع جريمة الاتجار بهم من دون حاجة إلى استعمال أي من الوسائل.
وقد عدَّ التجارب الطبية صورة من صور الاستغلال في الاتجار بالبشر وهذا يعد موقفاً إيجابيا لكون هذه الصورة تمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان متى ما ارتكبت باستعمال الوسائل المنصوص عليها بالقانون
المحامي ماجد الربيعي