يأمل الباحثون أن تكشف نتائج دراستهم الجديدة عن ثقوب سوداء أخرى ذات كتلة نجمية تدور حول الأرض. نجوم ضخمة، يعتقد أن الآلاف منها موجودة في مجرة درب التبانة وفي غيمة ماجلان الكبرى.


صورة تخيلية للثقب الأسود المكتشف مع نجمه المصاحب اللامع (المرصد الأوروبي الجنوبي)

اكتشف فريق من علماء الفلك ثقبا أسود خامدا في مجرة سحابة ماجلان الكبرى (Large Magellanic Cloud)، هو الأول من نوعه الذي يتم اكتشافه خارج مجرتنا. وعلى عكس الثقوب السوداء المعروفة تشكل هذا "الوحش الكوني" بعد اختفاء النجم الأم دون أي علامة على حدوث انفجار كما هو معروف.
وجاء هذا الاكتشاف بعد رصد استمر سنوات طويلة استخدم الباحثون خلاله المرصد الأوروبي الجنوبي (European Southern Observatory (ESO)) وفق بيان صحفي نشر على موقع المرصد. فما قصة هذا الثقب الأسود الفريد؟


"إبرة في كومة قش"
من المعروف أن الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية تتشكل عندما تصل النجوم الضخمة إلى نهاية حياتها وتنهار تحت تأثير جاذبيتها، مما يولد انفجارا يمكن رصده على بُعد آلاف السنوات الضوئية.
وتختلف هذه العملية عندما تحدث في نجم ثنائي، وهو نظام يتكون من نجمين يدوران حول بعضهما، ويترك وراءه ثقبا أسود يدور حول نجم مصاحب لامع. ويكون الثقب الأسود "خامدا" عندما لا يصدر مستويات عالية من الأشعة السينية، وهي الطريقة التي يتم بها عادة اكتشاف مثل تلك الثقوب السوداء.

وعلى الرغم من أن العلماء يعتقدون أن هذه الفئة من الثقوب السوداء منتشرة على نطاق واسع في الكون، فإنه لم يعثر على أي منها حتى الآن خارج مجرة درب التبانة.

وفي الدراسة الجديدة التي نشرت في دورية "نيتشر أسترونومي" (Nature Astronomy) أبلغ فريق دولي من الباحثين عن اكتشاف ثقب أسود خامد داخل نظام ثنائي يعرف باسم "في إف تي إس 243" (VFTS 243). وتبلغ كتلة الثقب الأسود المكتشف حديثا 9 أضعاف كتلة شمسنا. ويدور هذا الجرم حول نجم عملاق أزرق بكتلة تناهز 25 مرة كتلة نجمنا.
وللعثور على هذا الثقب الأسود الخامد قام فريق البحث بتحليل بيانات عمليات رصد لما يقرب من ألف نجم ضخم في منطقة سديم الرتيلاء الواقعة في غيمة ماجلان الكبرى (مجرة صغيرة قريبة من مجرتنا)، لأكثر من 6 سنوات. واستخدم الباحثون لجمع هذه البيانات المرصد الكبير جدا "في إل تي" (VLT) في تشيلي التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي.
بالنسبة للباحثين، بدا الأمر شبيها بالعثور على "إبرة في كومة قش"، كما يقول تومر شنار من "معهد أنطون بانكوك لعلم الفلك في أمستردام" (Anton Pannekoek Institute for Astronomy) والمؤلف الرئيسي للدراسة.



سديم الرتيلاء حيث اكتشف الثقب الأسود الخامد (المرصد الأوروبي الجنوبي)


لغز اختفاء النجم الأم

لكن أكثر الجوانب إثارة في هذا الاكتشاف هو اختفاء النجم الذي نشأ منه هذا الثقب الأسود الغامض كليا وعدم العثور على أي أثر له. وسبب هذه الدهشة هو أن العلماء يعتقدون أن الثقوب السوداء التي لها كتلة نجم واحد، أي صغيرة جدا مقارنة مع الثقوب السوداء الضخمة التي تفوق كتلتها أحيانا كتلة ملايين النجوم، تتشكل عندما تنهار نواة نجم ضخم محتضر. لكنهم غير متأكدين إن كانت هذه العملية مصحوبة بانفجار مستعر أعظم قوي أم لا.

ويقول شنار في تصريح أورده البيان "يبدو أن النجم الذي شكّل الثقب الأسود قد انهار تماما، مع عدم وجود علامات على انفجار سابق. وقد ظهرت مؤخرا أدلة على إمكانية حدوث سيناريو (الانهيار المباشر)، لكن دراستنا تقدم بشكل مثير للجدل أحد أكثر المؤشرات المباشرة لوقوعه. وستكون لهذا، تداعيات هائلة على أصل اندماجات الثقوب السوداء في الكون".
يذكر أن فريق الباحثين الذي اكتشف هذا الثقب الأسود الجديد يتكون من خبراء دوليين يعرفون في الأوساط الفلكية باسم "شرطة الثقوب السوداء" لدورهم في كشف زيف العديد من اكتشافات الثقوب السوداء في السابق، وهي المرة الأولى التي يجتمعون فيها للإبلاغ عن اكتشاف ثقب أسود، بدلا من دحض أدلة وجوده.

ويأمل الباحثون في أن تكشف نتائج دراستهم الجديدة عن ثقوب سوداء أخرى ذات كتلة نجمية تدور حول الأرض، نجوم ضخمة يعتقد أن الآلاف منها موجودة في مجرة درب التبانة وفي غيمة ماجلان الكبرى.