المشكلة الحقيقية أن دولا مثل بريطانيا غير مؤهلة لموجات حر طويلة، فالبيوت والمباني كلها مشيدة من أجل الحماية من البرد القارس، وتوفير التدفئة، لكنها لا تأخذ بالحسبان موجات الحرارة المرتفعة.
سجلت بعض المناطق في بريطانيا درجات حرارة اقتربت من 40 درجة، وهو رقم لم تسجله منذ نصف قرن (غيتي)
تدريجيا تتحول العاصمة البريطانية لندن من "مدينة الضباب" إلى "مدينة الشمس"، بتسجيلها درجات حرارة تاريخية وغير مسبوقة خلال هذا الأسبوع، ما دفع الحكومة البريطانية لإعلان حالة الطوارئ والتوصية بعدم السفر إلا للضرورة وعدم الخروج بالنسبة لكبار السن.
وسجلت بعض المناطق في بريطانيا درجات حرارة اقتربت من 40 درجة، وهو رقم لم تسجله منذ نصف قرن، وكذلك الحال في عدد من الدول الأوروبية خصوصا فرنسا والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا التي رفعت مستوى الإنذار لديها إلى الأحمر.
هذا الوضع جعل عددا من خبراء البيئة يدقون ناقوس الخطر، بكون أوروبا تدخل مرحلة جديدة من تاريخها تودع فيها الأجواء الباردة والأمطار الغزيرة وتدخل في نادي الدول الحارة، والمشكلة الحقيقية أن دولا مثل بريطانيا غير مؤهلة لموجات حر طويلة؛ فالبيوت والمباني كلها مشيدة من أجل الحماية من البرد القارس، وتوفير التدفئة، لكنها لا تأخذ بالحسبان موجات الحرارة المرتفعة.
بريطانيا والتعايش مع درجات الحرارة المرتفعة
ووفق صحيفة "غارديان" (The Guardian)، دخلت المملكة المتحدة منطقة اللاعودة، وهذا يعني أن البلاد على موعد مع درجات حرارة مرتفعة ولفترات أطول.
وتنقل الصحيفة البريطانية عن نيجيل أرنيل -وهو بروفيسور المناخ في "جامعة ريدينغ"- قوله إن "البلاد تواجه ارتفاعا حادا لدرجات الحرارة وكل الأدلة تشير لكوننا نتجه نحو الأسوأ؛ وهو فترات أطول لارتفاع درجات الحرارة".
وتزيد خطورة درجات الحرارة من ارتفاع عدد الوفيات التي تتسبب فيها سنويا، ووفق دراسة لجامعة "بريستول"، فإنه خلال السنوات العشر الماضية، ارتفع عدد الأشخاص الذين يموتون بسبب موجات الحرارة بحوالي ألفي شخص سنويا، وهذا الرقم مرشح لمزيد من الارتفاع.
الحرارة الشديدة باتت توصف بأنها تهديد خطير للصحة العامة في بريطانيا (الفرنسية)
ما مدى خطورة موجة الحرارة الأخيرة؟
يمكن القول إن موجة الحر تكون قاتلة في عدد من الدول الأوروبية، وتعد خطيرة جدا على هذه الدول خصوصا على كبار السن، وتعد الحرارة المرتفعة من بين أكثر أسباب الوفيات فتكا في أوروبا، ففي سنة 2020، توفي بالمملكة المتحدة وحدها أكثر من 2500 شخص بسبب بضعة أيام من الحرارة، علما أن تلك السنة لم يتم فيها تسجيل درجات حرارة كالتي يتم تسجيلها هذه السنة.
ووفق "لجنة التغير المناخي" (Climate Change Committee) في المملكة المتحدة، فإن الحرارة الشديدة باتت توصف بأنها تهديد خطير للصحة العامة في البلاد، وما يزيد الوضع تعقيدا في رأي اللجنة هو أن المملكة المتحدة غير مستعدة على الإطلاق للتعامل مع هذه الظاهرة، ووفق المصدر نفسه فإنها حذرت من هذا السيناريو قبل 10 سنوات لكن بدون جدوى.
ووفق دراسة لجامعة أكسفورد، فإن موجات الحر يمكن أن يكون لها أيضا تأثير كبير على الصحة العقلية، ووفق نفس الدراسة فإن هناك ارتباطا بين زيادة درجات الحرارة وارتفاع معدلات الانتحار، ومع كل زيادة بنسبة درجة واحدة في الشهر فإن معدلات الانتحار ترتفع أيضا بنسبة ما بين 1 و2%.
هل سيزداد الوضع سوءا؟
نعم، ما دام العالم لم يجد حلا جذريا للاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، ووفق دراسة لمؤسسة "غروثر لاب" (Growther Lab) السويسرية، فإن عددا من المدن الأوروبية المعروفة بطقسها البارد سوف تصبح شبيهة بمدن أفريقية.
ووفق هذه الدراسة فإن الجو في لندن سنة 2050 سيصبح شبيها بالجو في مدينة برشلونة جنوب إسبانيا والمعروفة بجوها الحار في الصيف، كما أن الجو بالعاصمة الإسبانية مدريد سوف يصبح شبيها بمدينة مراكش المغربية.
وتتوقع نفس الدراسة أنه بحلول سنة 2050 سوف تتراجع الموارد المائية في أوروبا بصفة عامة لتراجع التساقطات المطرية، كما أن فصل الشتاء في أوروبا سوف يصبح أدفأ بحوالي 4.7 درجات خلال فصل الشتاء، وفصل الصيف سيصبح أسخن بحوالي 3.5 درجات.
لماذا تحدث كل هذه التغيرات الدراماتيكية؟
الجواب المختصر والذي يتكرر على لسان كل خبراء المناخ، هو التغيرات المناخية التي تؤدي لارتفاع درجات حرارة الأرض، بسبب الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون، الذي ينطلق في الغلاف الجوي بكميات كبيرة تحبس حرارة الشمس ما يؤدي لارتفاع حرارة الكوكب الذي نعيش فيه، وهو ما يؤدي لموجات حر غير مسبوقة.
ووفق شبكة "بي بي سي" (BBC) البريطانية فإن العلماء يقولون إن هذا الوضع سوف يؤثر على العالم برمته، حيث يصبح الجو أكثر توترا وقسوة، بمعنى موجات جفاف طويلة، ودرجات حرارة مرتفعة، وتساقطات مطرية عنيفة، وفيضانات غير مسبوقة، كل شيء سيأتي بطريقة مأساوية وغير عقلانية، وكأن المناخ قد فقد السيطرة على نفسه.
ووفق "مكتب الأرصاد الجوية" (The Met Office) البريطاني فإن ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، بات أكثر مما كان عليه بمقدار 30 مرة مقارنة بفصول الصيف في بريطانيا قبل الثورة الصناعية، والنقطة التي بدأ فيها البشر في إنتاج الانبعاثات المسؤولة عن التغير المناخي، وتوقع المكتب أن بريطانيا سوف تسجل درجات حرارة تصل إلى 40 درجة أو أكثر على الأقل يوما واحد كل سنتين إلى غاية سنة 2100.