على الرغم من أن الدراسة كانت على كوكب الأرض، فإن فهم كيفية استمرار الحياة تحت السطحية، قد يفيد في دراسة الكواكب والأقمار الأخرى في النظام الشمسي وما وراءه
المياه اكتشفت في أعماق منجم لإنتاج الذهب واليورانيوم في مقاطعة موآب كوتسونغ بجنوب أفريقيا (فيز دوت أورغ)
تمكن فريق علمي دولي بقيادة جامعة تورنتو (University of Toronto) الكندية، من اكتشاف أقدم مياه جوفية على الأرض، والتي يقدر عمرها بنحو مليار و200 مليون عام، وذلك في أعماق منجم لإنتاج الذهب واليورانيوم في مقاطعة موآب كوتسونغ (Moab Khotsong) بجنوب أفريقيا.
وحسب ما ورد في البيان الصحفي الصادر عن جامعة تورنتو، والذي نشره موقع "فيز دوت أورغ" (phys.org)، فإن المياه الجوفية المكتشفة تعد غنية بأعلى التركيزات من المكونات المشعة الموجودة حتى الآن في السوائل، حيث توجد فيها عناصر مشعة بشكل طبيعي في الصخور التي تحيط بالرواسب المعدنية.
وقد نشرت دورية "نيتشر كومنيكيشنز" (Nature Communications)، نتائج الدراسة في عددها الصادر يوم 30 يونيو/حزيران الماضي والتي يتوقع فيها الباحثون أن يسلط هذا الاكتشاف الضوء على كيفية استمرار الحياة تحت سطح الأرض، وكيف يمكن أن تزدهر في كواكب أخرى.
انتشار وافر للهيليوم والنيون المنتجين من التفاعلات المشعة والتي يتم نقلها عبر القشرة الأرضية (فيز دوت أورغ)
الطاقة المختزنة في أعماق باطن الأرض
وبحسب ما ورد في بيان جامعة تورنتو، فقد وجد الباحثون في منجم موآب كوتسونغ، كميات كبيرة من عناصر الهيليوم المشع، والنيون، والأرجون، والزينون، واكتشافا غير مسبوق لتفاعل نظير الكريبتون (Krypton) (Kr).
ويذكر البيان أن هذه العناصر التي وجدت تتفاعل في عملية تسمى التحليل الإشعاعي (radiolysis)، وهو تفكك الجزيئات عن طريق الإشعاعات المؤينة، إذ يقوم الإشعاع الناتج عن تحلل مثل هذه العناصر بتفكيك جزيئات الماء، مما ينتج عنه تركيزات كبيرة من الهيدروجين، وهو مصدر طاقة أساسي للمجتمعات الميكروبية تحت السطحية في أعماق الأرض غير القادرة على الوصول إلى الطاقة من الشمس في عملية التمثيل الضوئي، كما أنه يدل على أن مواقع المياه الجوفية القديمة قد تعمل يوما ما كمصادر للطاقة.
كما لاحظ الباحثون في هذه العملية انتشارا وافرا لكل من الهيليوم والنيون المنتجين أصلا من التفاعلات المشعة والتي يتم نقلها عبر القشرة التي تعلوها.
ويقول أوليفر وار المؤلف الرئيسي لهذه الدراسة، والباحث المشارك في قسم علوم الأرض بجامعة تورنتو، في تصريحه الذي تضمنه بيان الجامعة "لأول مرة تكونت لدينا نظرة ثاقبة حول كيفية إطلاق الطاقة المخزنة في أعماق باطن الأرض وتوزيعها على نطاق أوسع من خلال قشرتها بمرور الوقت".
قبل 10 سنوات، اكتشف الفريق مياها جوفية عمرها مليار عام أسفل الدرع الكندي (ويكيميديا)
وأضاف وار "مكّننا اكتشافنا من إلقاء نظرة على طاقة أعماق الأرض، ومن تعلم كيفية تسخيرها لصالح المحيط الحيوي العميق على نطاق عالمي، أي أن نتائج دراستنا تؤكد أن البشر ليسوا فقط المستفيدين من موارد الطاقة في باطن الأرض العميق، وذلك نظرا لأن التفاعلات الإشعاعية، التي تنتج كلا من الهيليوم والهيدروجين، تحافظ على بقاء الميكروبات الجوفية".
الاكتشاف الأقدم والأعمق
تقول باربرا شيروود لولار، الأستاذة في قسم علوم الأرض بجامعة تورنتو والمؤلفة المشاركة "قبل 10 سنوات اكتشفنا مياها جوفية عمرها مليار عام من أسفل الدرع الكندي، وكانت هذه مجرد البداية على ما يبدو، إلا أننا الآن وعلى بُعد 2.9 كيلومتر تحت سطح الأرض في موآب كوتسونغ، وجدنا أن البؤر الاستيطانية المتطرفة لدورة المياه في العالم منتشرة بشكل أكبر مما كان يعتقد من قبل".
وتضيف باربرا "يوجد اليورانيوم والعناصر المشعة الأخرى بشكل طبيعي في الصخور المضيفة المحيطة التي تحتوي على رواسب معدنية وخامات، وتحتوي هذه العناصر على معلومات جديدة حول دور المياه الجوفية كمولد للطاقة لمجموعات كيميائية التغذية (أو آكلي الصخور) من الكائنات الحية الدقيقة المتعايشة المكتشفة سابقا في باطن الأرض العميقة، وعندما تتحلل عناصر مثل اليورانيوم والثوريوم والبوتاسيوم في باطن الأرض، فإن إشعاع ألفا وبيتا وغاما الناتج تكون له تأثيرات مضاعفة، مما يؤدي إلى ما يسمى التفاعلات الإشعاعية في الصخور والسوائل المحيطة".
النتائج قد تفيد في دراسة الكواكب والأقمار الأخرى في النظام الشمسي وما وراءه (ويكيبيديا)
ويقول وار إنه "على الرغم من أن الدراسة كانت على كوكب الأرض، فإن فهم كيفية استمرار الحياة تحت السطحية، قد يفيد في دراسة الكواكب والأقمار الأخرى في النظام الشمسي وما وراءه، وبالتالي سيكون ذلك مفيدا بالنسبة للبعثات القادمة إلى المريخ وأقمار زحل والمشتري (تيتان وإنسيلادس ويوروبا)".
ومن ناحية أخرى، يشدد الباحثون على أن الرؤى الجديدة للدراسة، والتي بينت أيضا انتشارا للهيليوم في أعماق الأرض، هي خطوة حاسمة إلى الأمام مع نفاد احتياطيات الهيليوم العالمية، والانتقال إلى موارد أكثر استدامة.