لعبت الذكريات في مسلسل The Terminal List الذي عُرض على Amazon Prime Video وأخرجه كلٌ من فريدريك إي أو توي وسيلفاين وايت وهو قائم على قصة للمؤلف جاك كار، دورًا مزدوجًا في حياة بطل هذا العمل جيمس ريس (الممثل كريس برات)؛ فتارة كانت تشوّشه؛ حيث يتداخل الحاضر في الماضي، ويختلط الواقعي بالمُتَوهَم، حتى لقد ظنّ البعض أن الرجل به مسُّ من جنون.
وتارة أخرى كانت هذه الذكريات -وبالتحديد مواقف معينة حدثت له مع زوجته وابنته الوحيدة (الممثلتين Riley Keough وArlo Mertz على التوالي)- تقوده وتهديه سواء السبيل.
بل كانت هذه الذكريات بمثابة الترياق الذي يعينه على التغلب على المصاعب التي رزح تحت نيرها، واحدة تلو الأخرى.
قصة مسلسل The Terminal List
تلعب المنظورية في هذا العمل -كما في كل الأعمال الفنية والأدبية كما أفترض- دورًا كبيرًا؛ إذ إن قصة هذا المسلسل تمنح كل فرد الأدلة الكافية لكي يسوقه في المساق الذي يناسبه، أو يرى أن المسلسل يقدمه حصرًا. وبناءً على ذلك قد يكون من العسير الإشارة إلى فكرة هذا العمل دون منحها قدرًا من التأويل الذاتي، وتلك مسألة لا مفر منها. وقصة المسلسل باختصار على النحو التالي: يتعرض جيمس ريس (الممثل كريس برات)؛ وهو قائد في القوات البحرية، هو وفريقه إلى كمين، عندما كانوا في عملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية.
وإنما يتمثل هذا الفخ الذي سقطت فيه الكتيبة عن بكرة أبيها، ومات كل أفرادها باستثناء جيمس رايس وشخص آخر، ومن بقي منهم آثر قتل نفسه، على الرغم من أن المسلسل لم يكن واضحًا بشأن هذه النقطة، أي هل قتل رفيق جيمس ريس نفسه أم تم قتله؟ لا أعتقد أن ثمة جوابًا شافيًا على هذه المسألة، يتمثل هذا الفخ في منح الكتيبة معلومات خاطئة، والتغرير بأفرادها، وفوق ذلك منحهم عقارًا يسبب أورامًا سرطانية في المخ.
بعد هذه الحادثة سيأخذ جيمس ريس على عاتقه الثأر لأفراد كتيبته الذين كان هو، بصفته قائدهم، مسؤولًا عنهم.
هنا بالضبط ينزلق مسلسل The Terminal List عدة مزالق؛ فبفضل مساعي جيمس ريس المتهورة أحيانًا نظر البعض إلى هذا العمل على أنه حكاية سخيفة عن الانتقام، يسهل التنبؤ بكل أحداثها. وهذه الجزئية الأخيرة صحيحة إلى حد ما. لكن هل المسلسل عبارة عن عملية انتقام وأخذ بالثأر فقط؟ أشك في ذلك.
لكن يمكن القول، على نحو أعمق قليلًا إن هذه القصة بمثابة استنتاج لسلسلة الأحداث التي يمكن وقوعها حالما تغيب العدالة ويعم الفساد. وبالتالي أنت في هذا المسلسل ستجد نفسك أمام رجل يتمتع بقدرات غير عادية وقد أفسحت له الأعراف والقوانين واللوائح والأخلاق المجتمعية المجال ليعيث في الأرض فسادًا. وهو رجل لا يخشى شيئًا، فقد خسر كل شيء، بل وعدّ نفسه ميتًا بالفعل.
كان مسلسل The Terminal List محظوظًا إذ احتشدت فيه طائفة من الممثلين الأكفاء، فبخلاف كريس برات، هناك: كونستانس وو، تايلور كيتش، جين تريبلهورن، رايلي كيو، أرلو ميرتز، جاي كورتني، جي دي باردو، باتريك شوارزنيجر، لامونيكا جاريت، ستيفن بيشوب، شون جان، تاينر راشنغ، جاريد شو، كريستينا فيدال، نيك تشينلوند، ماثيو راوخ، وارين كول، وأليكسيس لودر.
أتى الموسم الأول من مسلسل The Terminal List في ثماني حلقات، وعلى الرغم من أنه لم يتم، حتى الآن، التأكيد إذا ما كان هناك موسم ثان منه أم لا؟ إلا أن هناك حماس لذلك حتى من قبل كريس برات نفسه، كما ألمح المنتج David DiGilio إلى احتمالية وجود موسم ثان من هذا العمل.
وقد قال في حديث له مع ComicBook:
«نحن محظوظون حقًا؛ فـ«جاك» يكتب بسرعة مذهلة، بمعدل رواية كل عام. إنه أسرع قليلًا مما يمكننا تقديمه، .. وأشجع أي شخص أحب الموسم الأول على الذهاب للتحقق من True Believer. إنها قراءة لا تصدق وهي مخطط رائع للموسم الثاني».
وقبل أن نغادر هذا الجزء أولى بنا أن نشير إلى أن حماس كريس برات لموسم ثان من هذا العمل وضعه موضع تهمة إلى حد ما؛ إذ قيل -مع الأخذ في الاعتبار أنه أحد منتجي هذا العمل- أن كريس برات يسعى إلى تلبية طموحات شخصية؛ فهو يحب هذه النوعية من الأعمال. ناهيك عن الانتقادات التي طالت أداءه في الموسم الأول من مسلسل The Terminal List.
المنظورية وتوظيف النصوص المقدسة
قلنا إن المنظورية تلعب دورًا أساسيًا في مسلسل The Terminal List، بل ربما تكون هي الصفة الأبرز فيه؛ فعلى سبيل المثال، يبدأ المسلسل باقتباس من الكتاب المقدس؛ وكأنه يضعنا أمام ثنائية داوود وجالوت. والأخطر من هذا أن من العسير أن تحدد، كمشاهد/ متلقي، من هو جالوت ومن هو داوود؟ من هو الضحية ومن هو الجلاد؟ وقد تعمد صناع المسلسل، حسب ظني، هذا الإرباك.
فمثلًا تجيب المحققة الصحفية كاتي بورانك (الممثلة كونستانس وو)، التي اقتربت جدًا من جيمس رايس وعملت، إلى جانبه، على إظهار الحقيقة، عندما تٌسأل، في معرض نقاش لها حول جيمس ريس: هل هو الضحية أم الجلاد؟ فتجيب: ذاك ما سأكتشفه بعد.
كل طرف من الأطراف في هذا المسلسل يرى نفسه على حق -ونتذكر بالمناسبة هنا رواية باولو سورينتينو المسماة «كلهم على حق»- فالذين أعطوا عقارًا تسبب في إصابة فرقة جيمس ريس بأورام في الدماغ، بمن فيهم هو نفسه، يرون أنهم كانوا يجربون عقارًا، وأنه إذا كان هناك أشخاص قد أصيبوا بورم في الدماغ، فإن هناك أعداد كبيرة من أفراد القوات الخاصة تتدهور صحتهم العقلية والنفسية في نهاية حياتهم، فلا مانع إن استخدمنا عقارًا يقيهم مغبات هذه الأمور، وإن على المدى الطويل.
أما جيمس ريس فيرى هؤلاء القوم قتلة، لم يتسببوا في قتل أفراد فرقته فحسب، بل إن تبعات هذه المعارك أدت إلى مقتل ابنته وزوجته.
مسلسل The Terminal List.. عدالة أم انتقام؟
وبالنظر إلى الطرح السابق، فسيكون من العسير جدًا -اللهم إلا إذا اعتمدنا على وجهات نظر شخصية بحتة- أن نقطع بكون مسلسل The Terminal List تحقيقًا للعدالة أم إمعانًا في الانتقام. فعلى سبيل المثال يرى جيمس ريس (الممثل كريس برات) أن مسؤوليته الوحيدة إنما تتمثل في تحقيق العدالة، جراء قتل أفراد فرقته، وزوجته وابنته. فتراه هو نفسه يعلن ذات مرة: «أنا العدالة». ومن منظور ريس نفسه، ينقسم العالم بين أولئك الذين يتوجب عليه حمايتهم وأولئك الذين يتوجب عليه قتلهم، مع غياب أي حل وسطي.
لكن يمكن اعتبار القصة حكاية عن الثأر والانتقام؛ لا سيما وأن جيمس ريس أمعن في العنف فعلًا، ألم يسرف في تعذيب «فاهاني»؛ قاتل أسرته؟ ألم يشق أمعائه؟
غير أن الفكرة الأساسية التي يمكن الدفع بها هنا، والتي أعتقد أن جيمس ريس نفسه سيوافق عليها، مفادها أن تحقيق العدالة قد يستوجب بعض العنف، وتلك مسألة أفرد لها «تيري إيغلتون» كتابًا قائمًا بذاته، أعني كتاب «الإرهاب المقدس»، لكن لا ينبغي أن نسرف في العنف ونحن في طريقنا إلى تحقيق العدالة.
آراء نقدية عن مسلسل The Terminal List
تعرض مسلسل The Terminal List للكثير من الحملات النقدية المجحفة، صحيح أنه لم يقدم جديدًا، من حيث الفكرة، فلا يمكننا إغفال أن قصة جاك كار محكمة الحبك فعلًا، وإن اعتراها بعض الخلل، خاصة ما يتعلق بـ «قفلة» الحكاية، أو حل العقدة، لو أردنا استخدام مصطلح فني أكثر.
لكن هذا لا ينفي أن أداء أغلب الممثلين كان جيدًا، بلا شك، ناهيك عن أنك لن تعدم بعض التسلية والمتعة، وأنت تتابع حلقات هذا المسلسل الثُّماني. وعلى أي حال، سنشير إلى بعض المآخذ على هذا المسلسل، وذلك على النحو التالي..
تطويل بلا فائدة
يرى بعض النقاد أن مسلسل The Terminal List أقرب ما يكون إلى أفلام الأكشن والإثارة، والتي عادةً ما يقوم ببطولتها تشاد مايكل موراي أو بروس ويليس والتي يمكنها أن تعمل بشكل جيد جدًا إذا أتت في فيلم من ساعتين على أقصى تقدير، أما أن يتم تقديم الفكرة في مسلسل على مدار ثماني ساعات، فهذا تطويل بلا فائدة. وذاك مأخذ حقيقي وواقعي، فعلى الرغم من أنك قد ترتبط بالمسلسل لدرجة أنك قد تشاهده في يوم أو يومين، إلا أن هذا لا ينفي أن كثيرًا من الأحداث والمشاهد كانت زائدة عن الحاجة.
نهاية غير موفقة
لكن المأخذ الأساسي على مسلسل The Terminal List، والذي قد أشرنا إليه سلفًا في معرض الحديث عن قصة جاك كار في ذات نفسها، فهو ذاك المتمثل في كون المسلسل قد فشل في الوصول بنا إلى نهاية موفقة ومقنعة في ذات الوقت.
إذ لم يفلح المسلسل، خاصة في الحلقة الأخيرة، في الإجابة عن أي من الأسئلة التي قد أشرت إلى طائفة منها من قبل، إلى درجة أننا لم نعرف وجهات نظر صناع المسلسل في القضايا الجدلية التي ظلوا يطرحونها طوال الحلقات الثماني من هذا الموسم.
وإذا أحسنا الظن، فقد يكون هناك احتمالان لهذه النهاية غير الموفقة: الأول أن حالة الإرباك هذه مقصودة بالفعل، وأن صناع مسلسل The Terminal List أرادوا أن يفتحوا حكايتهم على كل التأويلات. والاحتمال الثاني يتمثل في أنهم يمهدون بهذا لموسم جديد، قد يُجاب فيه عن هذه الأسئلة التي تركها الموسم الأول دون إجابات، لكن ماذا إذا لم يكن هناك موسم ثانٍ؟
محمد علواني - أراجيك