أول قاعدة بيانات لرصد معدلاتها.. تبخر مياه البحيرات يخلف تداعيات بيئية واقتصادية ومجتمعية


يأمل الباحثون استغلال العلماء والمسؤولين عن الموارد المائية قاعدة البيانات للحفاظ على موارد المياه العذبة والتكيف مع التغير المناخي.
بيانات "غليف" تساعد على فهم تأثير البحيرات في أنظمة المياه والمناخ (شترستوك)عمرو راجح
14/7/2022





تغطي البحيرات الطبيعية والصناعية حوالي 5 ملايين كيلومتر مربع من حجم الكرة الأرضية، وتختزن حوالي 87% من مياه الأرض العذبة، لذلك فهي تُعَد مصدرا رئيسا لمياه الشرب العذبة والتنوع البيئي المائي والأرضي.


قاعدة بيانات "غليف" (GLEV)


ونتيجة احتلال البحيرات مساحات واسعة مكشوفة، ووجود ضغط البخار بين سطح الماء والغلاف الجوي، تتعرض كميات مهولة من مياه تلك البحيرات للتبخر، ويعتمد معدل ذلك التبخر على مساحة انتشار الماء والموقع الجغرافي وعوامل تغير المناخ المتعددة.
ولتحديد كمية المياه المفقودة عبر التبخر من البحيرات الطبيعية والصناعية، ورصد تغيرات هذا الفقدان الناتج عن التغيرات المناخية عبر السنوات، أنشأت ويلن غاو الأستاذ المساعد بقسم زاكري للهندسة المدنية والبيئية بجامعة تكساس (Texas A&M) وفريقها المعاون قاعدة بيانات ترصد حجم تبخر البحيرات العالمي (Global lake evaporation volume).
وتعتبر قاعدة بيانات "غليف" (GLEV) الأولى من نوعها التي ترصد معدلات تبخر المياه شهريا على مدى زمني طويل بين أعوام 1985 و2018 في مليون و420 ألف بحيرة، ونشرت النتائج في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature communications) يوم 28 من الشهر الماضي.



كميات مهولة من مياه البحيرات تتعرض للتبخر تأثرا بعوامل تغير المناخ المتعددة (شترستوك)


بيانات أكثر وضوحا لصناع القرار

وتتعرض الولايات المتحدة -والكثير من دول العالم- إلى درجات حرارة أعلى من المتوسط العام، إلى جانب انخفاض معدلات سقوط الأمطار والتغيرات المناخية الحادة، الأمر الذي يتطلب حصول مسؤولي الموارد المائية حول العالم على بيانات دقيقة كي يتخذوا قرارات مناسبة بهدف حماية تلك الموارد.

وفي البيان الصحفي الصادر عن جامعة "تكساس" توضح غاو أن الدراسة تقدم "بيانات لا تقدر بثمن فيما يتعلق بفقدان مياه البحيرات عبر التبخر لمختلف باحثي الموارد المائية وصناع القرار، وتتوقع حدوث تداعيات بيئية واقتصادية ومجتمعية نظرا لارتفاع معدلات تبخر مياه البحيرات مستقبلا بسبب الاحتباس الحراري".
وتُضيف غاو "قد تتخطى كمية الماء المتبخرة من الخزانات (البحيرات الطبيعية والصناعية) عالميا حجم الماء الذي نستهلكه في المنازل والصناعات، ورغم ذلك فإننا لا نمتلك بيانات دقيقة عن معدلات تبخر مياه البحيرات، حتى في الولايات المتحدة".


نتائج تدعو للقلق

أشارت نتائج الدراسة إلى زيادة حجم تبخر ماء البحيرات خلال 34 عاما بمعدل 3.12 كيلومترات مكعبة سنويا، إلى جانب زيادة معدل التبخر بنسبة 58%، وانخفاض معدل تغطية الثلوج للبحيرات بنسبة 23%، وزيادة مساحة سطح البحيرات بمعدل 19%.

واستدل الباحثون من هذه النتائج على ضرورة الاعتماد على بيانات حجم التبخر (Evaporation volume) كمؤشر أساسي لتقييم آثار التغيرات المناخية على مياه البحيرات بدلا عن بيانات معدل التبخر (Evaporation rate) التي استخدمها العلماء سابقا، والتي لم تُمثل الحجم الحقيقي لماء البحيرات المتبخر عبر السنوات بسبب عدم أخذ بعض العوامل الهامة في الحسبان، مثل تجمد المياه وذوبان الجليد.
ويوضح جانغ تشاو المؤلف الرئيس للدراسة من قسم البيئة العالمية في معهد كارنيغي للعلوم (The Carnegie) "لقد وجدنا أن تبخر مياه البحيرات على المدى الطويل يساوي 1500 كيلومتر مُكعب سنويا، بزيادة 150 كيلومترا أو نقصانها، وهو ما يزيد على التقديرات السابقة بنسبة 15.4%".
وهذا يعني أن السماء تحصل كل عام على 3 تريليونات ليتر من الماء أكثر من العام المنصرم. ويضيف تشاو "تشير تلك النتائج إلى تأثير تبخر مياه البحيرات الواضح بالدورة المائية لكوكب الأرض الواجب أخذه في الاعتبار أكثر مما مضى".



كمية الماء المتبخرة من البحيرات قد تتخطى حجم الماء المستهلك بالمنازل والصناعات (شترستوك)


واستخلص الباحثون من بيانات "غليف" أن 6715 خزانا (البحيرات الطبيعية والصناعية) تمثل 5% فقط من إجمالي سعة تخزين المياه في الكوكب، و10% من إجمالي مساحة السطح الخاصة بكل البحيرات، ورغم ذلك تُسهم تلك الخزانات فيما يقارب 16% من حجم الماء المتبخر، ويكافئ حجم الماء المفقود من البحيرات حوالي 20% من حجم الماء المستهلك عالميا.

وخلال الـ 33 عاما الماضية، زاد معدل تبخر مياه الخزانات السنوية بنسبة 5.4%، وهو ما يتجاوز معدل تبخر البحيرات العالمي الذي يساوي 2.1%.



المزيد من الخطوات المستقبلية

وبالنظر إلى التغيرات الخاصة بكل مسطح مائي على حدة، ستسهم قاعدة بيانات "غليف" المتاحة مجانا للجميع في تحسين جودة القرارات الواجب اتخاذها للحفاظ على مياه خزانات المياه المختلفة، خاصة مع زيادة معدلات الجفاف العالمية والنمو السكاني المستمر.
كما تساعد هذه البيانات على فهم دور البحيرات وتأثيرها في أنظمة كوكب الأرض المختلفة، بما يتضمن التنبؤ بالطقس ومحاولة التكيف مع التغيرات المناخية.



الباحثون يعملون على تطوير أنظمة رصد تبخر مياه الخزانات غرب الولايات المتحدة والتنبؤ بتغيراتها (غيتي)


واستكمالا لذلك المشروع، بدأ باحثو جامعة "تكساس" -بالتعاون مع معهد أبحاث الصحراء ومكتب الاستصلاح الزراعي الأميركي- مشروعا علميا تطبيقيا تابعا لوكالة "ناسا" (Nasa) بتمويل قيمته مليون دولار بهدف تطوير أنظمة رصد تبخر مياه الخزانات في مناطق غرب الولايات المتحدة، والتنبؤ بتغيراتها بالاعتماد على الأقمار الصناعية. وسيعمل الفريق البحثي أيضا على تطوير مشروع المراقبة اليومية لتبخر مياه خزان تكساس.