صدر مؤخرا عن الدار المصرية اللبنانية كتاب "العمران فلسفة الحياة في الحضارة الإسلامية"، من تأليف الدكتور خالد عزب مدير المشروعات الأسبق بمكتبة الإسكندرية بمصر وأحد الباحثين البارزين في مجال الحضارة الإسلامية، والذي حاول فيه تقديم رؤية مختلفة عن العالم الشهير الراحل ابن خلدون، ومفاهيم علم العمران في الحضارة الإسلامية.

ويعيد خالد عزب بناء وتأسيس علم العمران، حيث عرّفه بأنه علم الحياة الدنيا في الحضارة الإسلامية، فالله سبحانه وتعالى سخر للإنسان الأرض وما عليها لعمارة الأرض، وهيأ الله سبحانه وتعالى الأرض بكل متطلبات هذه الحياة "وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها" (فصلت: 10)، "وجعلنا لكم فيها معايش" (الأعراف: 10).
ويرى خالد عزب أن غاية علم العمران: سعادة الإنسان على الأرض، وأدواته: العلم والعمل، وأطره: فقه العمران والسياسة الشرعية، ومجالاته: الزراعة والصناعة والتجارة عبر الفضاء العام، وذلك منذ القرن الأول الهجري/ السابع الميلادي.

المؤلف والباحث المصري خالد عزب حصل على جائزة الدولة للتفوق في فرع العلوم الاجتماعية 2016 (مواقع التواصل)
عبقرية ابن خلدون
ويحاول عزب البحث فيما أسماه "عبقرية" ابن خلدون من جديد، لكنه اختلف مع بعض ما جاء في كتابه الأبرز "المقدمة".

ويعتبر ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع وأول من وضعه على أسسه الحديثة، وقد توصل إلى نظريات حول قوانين العمران ونظرية العصبية، وبناء الدولة وأطوار عمارها وسقوطها.
ويذهب عزب إلى أن مقدمة ابن خلدون ضمت إلى جانب علم العمران: فلسفة التاريخ وأركان علم الاجتماع وبذور الاقتصاد السياسي ولمحة عن الأديان، مؤكدا أن ابن خلدون كان متجاوزا لعصره، إذ إنه مؤسس الدراسات البينية الإنسانية، وبالتالي جاء كل ما سبق داخل المقدمة بما فيها تعرّضه لعلم العمران من منظور محدود هو الاجتماع الإنساني، وكانت عبقريته في إدراكه -مع نضج العلوم في عصره- أن هناك شيئا ما يجمع هذه العلوم، وحين يجتمع أكثر من علم فتتلاقى، تنتج لنا نتائج جديدة تقود إلى تقدم علمي.

ويخالف خالد عزب ابن خلدون في رأيه عن البدو، فنجد عنده المقابلة بين البادية والحضر عند العرب، أساسها الحركة والسكون أو التجول والثبات (الاستقرار)، أو الارتحال والإقامة الدائمة، ثم ما قد ينتج عن هذا الأمر من اختلاف في وجوه المكاسب والمعايش، ومستوى المعيشة على عائد الحرفة، ونمط السكن (من حيث كونه دائما أو مؤقتا، وكذلك المسكن وشكله الخارجي وحجمه).
ويرى عزب أن البدو الرحل ليسوا رحّلا مع الزمن، إذ الارتحال في هذا المفهوم يعني الانتقال من وإلى بصورة مستمرة، كما أن درجات الاستقرار طبعت هذه القبائل فصارت مستقرة في حدود جغرافية محدودة، بل صارت لها مراكز حضرية مستقرة كالقصور أو الواحات أو المضارب، قامت حياتها على الرعي أو الزراعة أو حراسة القوافل، وقد تجمع بين أكثر من مهنة.

ويوضح أن المستقر الحضري أيا كان، هو مكان الإنسان الذي تبدأ منه الحياة بتفاعلاتها، فالإنسان وسعادته وعيشه مطمئنا من الغايات التي بحثت بعمق في حضارة قامت على العمران.
ويرى عزب أن أكثر تجليات الفكر العمراني هو وضوح تراتبية العمران طبقا للاحتياجات، والتي تؤدي إلى نسق عمراني واضح، مشيرا إلى أن هذا ما قرأه المؤلف من نص القزويني في "آثار البلاد وأخبار العباد"، حيث تتدفق عباراته لتخبرنا عن هذه التراتبية.
العدل أساس العمران
ويبني المؤلف عبر 5 فصول رؤيته لعلم العمران، فجاء الفصل الأول عن ماهية العمران معرفا العمران في الحضارة الإسلامية كعلم تبلور منذ القرن الثاني الهجري، متتبعا تطور دلالة لفظة العمران في المعاجم اللغوية، مؤكدا أن العدل هو أساس العمران على الأرض.
وفي الفصل الثاني، يتحدث المؤلف عن الفلسفة الناتجة عن ذلك، والتي ارتكزت على: الإتقان والإبداع والجمال، لينتقل في الفصل الثالث إلى أدوات العمران في الحضارة الإسلامية التي ارتكزت على العلم والعمل.

وفي الفصل الرابع، يتحدث المؤلف عن أطر العمران، أي وسائل عمله في المجتمعات، أو ما يسميه القواعد التي تنظم مجالات وفضاء العمران، وهي: السياسة الشرعية وفقه العمران، لينتقل في الفصل الخامس لتطبيقات العمران كعلم في التجارة والصناعة والزراعة وغيرها.

ويؤكد خالد عزب أن الكتاب حافل بالتفاصيل التي يصعب اختصارها، لكنه يقدم رؤية تستحق المناقشة والوقوف عندها، إذ إنه -على سبيل المثال- لا يرى أن هناك خصومة بين التقدم العلمي والإسلام، بل يرى أن الإسلام كان محفزا عبر قواعد العمران على الإنتاج العلمي والابتكار.

والمؤلف خالد عزب حاصل على درجة الدكتوراه في الآثار الإسلامية من جامعة القاهرة في "التحولات السياسية وأثرها في العمارة في مدينة القاهرة منذ العصر الأيوبي وحتى عصر الخديوي إسماعيل"، ونال العديد من الجوائز.
وكان يشغل في وقت سابق منصب رئيس قطاع المشروعات والخدمات المركزية في مكتبة الإسكندرية، وهو عضو في عدد من المؤسسات والجمعيات العلمية، منها جمعية الآثار والفنون الإسلامية، واتحاد كتاب مصر، وجمعية إحياء التراث العلمي للحضارة الإسلامية.

وحصل المؤلف في 2014 على جائزة أهم كتاب عربي من مؤسسة الفكر العربي، عن كتابه "فقه العمران: العمارة والمجتمع والدولة في الحضارة الإسلامية".
وفي عام 2016، حصل على جائزة الدولة للتفوق في فرع العلوم الاجتماعية من قبل المجلس الأعلى للثقافة في مصر، عن كافة أعماله البحثية.