شفيق عدس وهو معلق بحبل المشنقة ...... من هو شفيق عدس

شفيق عدس كان يهوديا من اصل سوري, هاجر الى العراق واستقر في مدينة البصرة, حيث مارس التجارة خلال عشرات السنين, وأنشا عدة مشاريع تجارية كبيرة, شاركه فيها لفيف من كبار التجار والوجهاء المسلمي
ن في العراق. كما كانت له علاقات ودية متينة مع العديد من رجال الحكم العراقيين, وكان معروفا بتبرعاته السخية لمؤسسات عراقية عامة. وسبق لشفيق عدس ان تبرع قبل محاكمته واعدامه, بمبلغ ثلاثمائة الف دينار عراقي الى جيش انقاذ فلسطين, اي ما كان يعادل انذاك مليونا ومائتي الف دولار.
ولم يكن يخطر على بال احد ان شخصا كهذا يمكن ان يحاكم ويعدم بتهمة الشيوعية والصهيونية, ومساعدة اسرائيل. ولكن هذا ما حدث في عام 1948 .
ففي ذلك العام, كما هو معروف, كان العراق كباقي الدول العربية, يجند قواته العسكرية لشن الحرب, بقصد منع تطبيق قرار التقسيم الذي اتخذته الامم المحدة بشان فلسطين.
وسط هذه الاجواء, تشكلت في العراق حكومة برئاسة السيد (مُزاحِم البَجَاجي), وكان وزير الدفاع فيها (صادق البصام), الذي عرف بميوله النازية والفاشية, وبشدة معاداته لليهود. ومن ناحية اخرى استغلت الصحافة العراقية ذات الاتجاهات النازية, هذه الظروف لشن حملة لاذعة ضد يهود العراق, بلغت ذروتها بتوجيه التهم الى شفيق عدس بالشيوعية وبالصهيونية وبمساعدة اسرائيل.
وقد نشرت الصحف المحلية والعالمية في حينه وقائع المحاكمة التي جرت لشفيق عدس امام محكمة عسكرية ترأسها ضابط معروف بمعاداته لليهود.
بدأت المحاكمة في الحادي عشر من شهر ايلول سبتمبر عام 48 , حيث تم الاستماع خلال يومين الى افادات عشرين شاهدا ممن جندهم الادعاء. وحين جاء دور شهود الدفاع, أعلن رئيس المحكمة ان القضية اصبحت واضحة, ولا موجب للاستمرار في سماع الشهادات. فأصدر في اليوم ذاته حكمه باعدام شفيق عدس ومصادرة جميع أمواله وممتلكاته. ونفذ حكم الاعدام في شفيق عدس بعد مرور عشرة ايام, في الساحة المحاذية لمنزله في البصرة, وبحضور جماهير غفيرة من سكان المدينة.
ويشار الى انه من التهم التي وجهت الى شفيق عدس, ان شركته التي تاجرت بمخلفات الجيش البريطاني في العراق بعد الحرب العالمية الثانية , باعت الاسلحة الى المنظمات اليهودية في فلسطين. وكان معروفا ان هذه الشركة لم تتصرف بمخلفات الجيش البريطاني, الا بعد ان اختار منها الجيش العراقي كل ما يصلح له. ولم يكن في ما تبقى شيء يمكن ان يعتبر سلاحا. هذا من جهة. ومن جهة اخرى لم يكن شفيق عدس الا احد اصحاب هذه الشركة, علما بان باقي شركائها كانوا من كبار التجار المسلمين.
وقد وجهت الى الحكومة العراقية انتقادات شديدة من الخارج والداخل على خلفية هذه المحاكمة الصورية, وعلى خلفية سياستها المعادية لابناء الطائفة اليهودية العراقية. هذه الانتقادات التي تزامنت مع فشل الجيوش العربية في تحقيق هدفها في فلسطين, اضطرت وزير الدفاع العراقي (البصام) الى الاستقالة من منصبه.
ويذكر اخيرا ان قضية شفيق عدس اشعلت الضوء الاحمر لدى يهود العراق, حيث ادركوا مدى الاخطار المحدقة بهم وايقنوا انه ليس بامكان اي منهم ان يشعر بآمان على حياته ومصيره. وكان ذلك من جملة العوامل الرئيسية التي حملت اليهود العراقيين على اسقاط جنسيتهم, والتخلي عن اموالهم وممتلكاتهم ومغادرة العراق, بعد ان اقاموا فيه اكثر من الفين وخمسمائة عام, وتمكنوا من الحفاظ على كيانهم وتراثهم خلال مختلف العهود والانظمة التي تعاقبت على حكم هذا البلد.