بدأ جهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) منذ صباه، واستمر جهاده طيلة عمره الشريف، يكافح بكل الوسائل من أجل رفع راية الإسلام، إلى أن استشهد بعد أن ضربه ابن ملجم، وهو في محراب الكوفة، حيث شعر بأن أمنيته لنيل الشهادة قد تحققت فقال كلمته الخالدة: "فزت ورب الكعبة"، إلى أن فارق الحياة التي قضاها في جهاد متواصل.
ومن تأمل مواقف الإمام علي (عليه السلام) الجهادية، يتجلى له الفداء، والتفاني في سبيل الله تعالى، والاهتمام بنصرة الدين الحنيف، مبتعداً عما يراود غيره من مصالح دنيوية، فلا ينشغل بالسلب، وجمع الغنائم، بل ولا يؤثر في صلابته وإقدامه ما يصيبه من ألم الجراح، فنراه يمضي ببصيرة وإيمان، فيقحم نفسه في لهوات الحروب ليحرز إحدى الحسنيين: النصر، أو الشهادة.
يشد على الكتيبة بمفرده، وكأنه يشد على رجل واحد، لا يأبه بكثرة رجالها، ويبارز من يتحاشى الأبطال مبارزته غير هياب، لم يجبن في موطن قط، ولذا تحاماه الأبطال، فكانوا يكرهون لقاءه، ويرون أن الفرار منه ليس عاراً، لأن في الثبات أمامه، ومبارزته الموت.
لاشك أن هذا الإقدام والاستعداد للتضحية في جهاده الذي لم يعرف له التاريخ نظيراً، يستنتج منه أن الإمام علياً (عليه السلام) كان نافذ البصيرة، فهو لا يرى للحياة قيمة إلا بمقدار ما يحقق من النصر للدين الحنيف، وكان هذا هو الهدف من استعداده للتضحية والفداء وإقدامه في الحروب، وهو يدل على حقيقة ثابتة، هي أن جهاده كان في الله عز وجل، ولا يهدف إلا لرضاه، ونصرة دينه الحنيف، ولم يقتصر جهاده على ما شارك فيه من حروب، بل تعداه ليشمل شتى الميادين، وبشتى الوسائل، همه الأكبر في ذلك القضاء على الباطل، وإماتة دعوته، لا تأخذه في ذلك لومة لائم، ولا يلتفت إلى أي اعتبار يخالف الموازين الشرعية.
وكل الذي ذكر هو غيض من فيض علي (عليه السلام) في صفاته ومناقبه. ويبقى أن الذي ذكرناه هو لمن أراد أن سر أهلية علي (عليه السلام) بحسب شخصه وصفاته، وإلا فإنه عليه السلام قد وقع الاختيار عليه من رب السماء العالم بالنفوس وبصالح العباد.
شرح زيارة الغدير - بتصرف
من شبكة المعارف الاسلامية