متحف الأمثال يوثق الحياة الفلسطينية القديمة بكافة تفاصيلها، بحكاية 38 من الأمثال وردت على لسان النبي عيسى عليه السلام في الإنجيل المقدس.
متحف بيت الأمثال الذي يقع وسط قرية الطيبة شرق مدينة رام الله
رام الله – في بيت قديم، حاول أهالي قرية الطيبة الواقعة إلى الشرق من مدينة رام الله، إعادة تمثيل الحياة الفلسطينية القديمة وتقديمها لزائري البلدة بعيون مسيحية.
جمعوا في هذا البيت أدوات تتصل بشكل مباشر بتفاصيل حياة الفلسطينيين والمرتبطة بالأرض بشكل كبير، والتي ذكرها النبي عيسى عليه السلام في الكتاب المقدس وارتبطت بتعاليمه فيما يعرف بـ"الأمثال" في الدين المسيحي.
الجدار الأمامي من البيت من الحجر القديم ويحمل رموزا قديمة يشير إليها سند ساحلية خلال شرحه عن تاريخ البيت
حكاية 38 من الأمثال
في هذا البيت الذي لا تزيد مساحته على 90 مترا مربعا، يختزل أهالي القرية للزائرين حكاية الحياة الفلسطينية القديمة بكافة تفاصيلها، والمرتبطة أيضا بـ38 من الأمثال وردت على لسان النبي عيسى عليه السلام في الكتاب المقدس، وهو ما يجعله "ممثلا لحياة الفلسطيني المسيحي بامتياز" كما يقول للجزيرة نت، راعي كنيسة الطيبة الأب بشار فواضلة.
وهذه هي ما كانت عليه حياة سكان القرية، عندما لجأ إليها "عيسى عليه السلام" بعد قيام "أليعازر من بين الأموات كما ورد في إنجيل القديس يوحنا ومن ذلك اليوم قرر اليهود أن يقتلوا يسوع فلم يعد يتجول بينهم جهارا بل ذهب إلى مدينة اسمها أفرايم تقع على بقعة قريبة من البرية حيث أقام مع تلاميذه"، بحسب الأب فواضلة.
مخابئ القمح كما تظهر من واجهة البيت، وبعض الأدوات والملابس
أفرايم القديمة
وأفرايم هو الاسم القديم للطيبة، ويعود بناؤها بحسب الحفريات إلى العصور القديمة، وعرفت تاريخيا بأهميتها الإستراتيجية وهي الواقعة في الطريق الواصل بين مدينتي نابلس والقدس. وحاليا هي القرية الوحيدة في فلسطين التي يسكنها مسيحيون فقط، ويقدر عددهم بـ 1400 فلسطيني.
وخلال زيارة الجزيرة نت للبيت، رافقنا الباحث في تاريخ القرية، سند ساحلية، موضحا تاريخ البيت وخصوصيته، إذ تعود حجارة واجهته الأمامية إلى الفترة البيزنطية ومحفور عليها 5 رموز دينية في ذلك الوقت، ولم تدخل أي تعديلات عليه منذ بنائه قبل 350 عاما.
غرفة المعيشة في البيت والتي تعكس حياة الفلسطيني قديما
يقع المنزل في ساحة الكنيسة اللاتينية، وسط البلدة، وتبدأ حكايته من "العتبة" التي بنيت لتتلاءم مع نمط حياة الفلسطينيين الريفية في ذلك الوقت، ففي حين الباب محكم من الهواء والبرد، بنيت فتحة صغيرة في عتبته لتتمكن الحيوانات الصغيرة من الدخول والخروج دون أن يضطر أصحاب البيت لفتح الباب.
ومن العتبة عبر ممر ضيق يوصل إلى غرف البيت الأربعة، غرفتان في القسم السفلي مخصصتان للحيوانات. والقريبة من الباب منخفضة السقف ولا يستطيع الإنسان الوقوف فيها، وهي مخصصة للحيوانات الصغيرة.
وفي الطابق العلوي، هناك الغرفة الرئيسية التي وصلناها بصعود 3 درجات من الحجر الكبير، مسنودة حاليا بأعمدة من الحديد. وهي غرفة المعيشة بكل ما تحمله الكلمة من تفاصيل، رفوف من الطين والقش ثبتت على الجدار الأمامي، وتستخدم لوضع أواني الطبخ، ومكان لطي الفراش المصنوع من القش خلال النهار، وعلى جدار آخر علقت أدوات حراثة الأرض التي كان يستعملها أصحاب البيت في فلاحة أرضهم وزراعتها.
مخابئ الحبوب كما تظهر من أعلى
وفي الجدار الثالث وهو الفاصل بين غرفة المعيشة والغرفة الداخلية، بنيت 5 مخابئ من الطين والقش (أماكن تبنى بشكل طولي في الجدار) لتخزين الحبوب التي تستخدمها العائلة طوال العام من قمح وعدس وشعير وغيرها، ومن خلال فتحة صغيرة أسفل كل منها تستطيع سيدة البيت أخذ ما يكفي لإطعام عائلتها، ثم تقوم بطحنه إن كان قمحا باستخدام جاروشة (مطحنة يدوية من الحجر) وضعت أسفل هذه المخابئ، لإعداد الخبز على الموقد المثبت بزاوية الغرفة.
خلف هذه المخابئ يوجد غرفة داخلية، ضيقة جدا، وخصصت للنساء للتواري فيها حين يكون في البيوت ضيوف رجال.
إحدى مخابئ الحبوب في بيت الأمثال
وعند الترميم لم توضع إضاءة كهربائية في المنزل بأكمله، وإنما مصابيح الزيت في إشارة إلى تعاليم السيد المسيح عليه السلام بألا "يترك المرء نوره مختبئًا تحت المكيال".
وفي سقف البيت، كوة "فتحة في السقف" تفتح في الصيف لإدخال الضوء والهواء، وتغلق في الشتاء.
وفي الطابق السفلي من الغرفة المخفية الغرفة الرابعة وهي المعدة للأبقار والخيول، وفي هذه الغرفة عادة ما كانت النساء تلد أطفالها لأنها دافئة وبعيدة عن الأنظار، وهذه الغرفة بالعادة تكون أرضيتها غير مستوية. وتظهر الصخور التي بني عليها المنزل. وهو ما ربط بالتعاليم الدينية "أن يبني المرء بيته في الكهوف أو على الصخور لحمايته من العواصف".
سند ساحلية: سبب صمود هذا البيت حتى الآن هو بناؤه على الصخر
البناء صامد كالصخر
ويقول ساحلية للجزيرة نت، إن سبب صمود هذا البيت حتى الآن هو بناؤه على الصخر، حيث سكنه أصحابه حتى بداية السبعينيات، وبعد موت ساكنيه قررت الكنيسة شراءه وضمه لها ليكون نموذجا للحياة الفلسطينية القديمة من جهة، ومن جهة أخرى ربطها بسياق "الأمثال" التي قالها السيد المسيح، ومن هنا جاء الاسم "متحف الأمثال".
وبحسب ساحلية، فإن نموذج هذا البيت موجود في كل التجمعات السكانية الفلسطينية القديمة، والتي تشكل الطيبة جزءا منها، وهو ما يجعله متحفا يمثل الحياة الفلسطينية القديمة بكل تفاصيلها.
ويعد "متحف الأمثال" واحدا من المعالم التي يقصدها الزائرون للقرية والسائحون من كل أنحاء العالم، بسبب قيمتها التاريخية والدينية أيضا.
وبحسب الأب فواضلة، فإن مسيحيي العالم جميعا "يقدسون الأمثال" التي وردت في نص الإنجيل المقدس، ولكن في "الطيبة" ومن خلال هذا البيت تقدم "تفاسير دينية لهذه الأمثال باستخدام أدوات كانت موجودة حين زار المسيح القرية ومكث فيها".
وأشار فواضلة إلى أن أكثر من 150 ألف زائر يتقاطرون على هذا المكان سنويا، باعتباره مكانا مقدسا، إلى جانب الباحثين والدارسين للحياة الفلسطينية القديمة.