اكتشف باحثون العمليات الجزيئية المعقدة التي تسبق عملية التكاثر في النباتات الزهرية، وتوثق نتائجهم عملية جزيئية لم تكن معروفة من قبل تعمل وسيلة للتواصل في أثناء الإخصاب.


دراسة عملية حديثة حددت جزيئية تعمل وسيلة للتواصل في أثناء الإخصاب والتكاثر في النباتات (فيز دوت أورغ)

اكتشف باحثون العمليات الجزيئية المعقدة التي تسبق عملية التكاثر في النباتات الزهرية، وتوثق نتائجهم عملية جزيئية لم تكن معروفة من قبل تعمل وسيلة للتواصل في أثناء الإخصاب، ونشرت النتائج في دورية "نيتشر" (Nature) العلمية الشهيرة، في السادس من يوليو/تموز الجاري، ونقلها تقرير لموقع "فيز" (Phys.org).
ووفقا للبروفيسور شنغ لوان، كبير مؤلفي الدراسة ورئيس قسم البيولوجيا النباتية والميكروبية (PMB) في جامعة كاليفورنيا في بيركلي (University of California, Berkeley) بالولايات المتحدة الأميركية، فإن الآلية الدقيقة للإشارة قد استعصت على الباحثين سابقا. وقال لوان "على المستوى الجزيئي، أصبحت هذه العملية برمتها الآن أكثر وضوحا من أي وقت مضى".


تكاثر النبات

تتكاثر الأزهار بالتلقيح، وهي عملية تتضمن نقل حبوب اللقاح (حبوب الطلع)، وهي حبوب دقيقة تنتج في الأعضاء الذكرية للنباتات الزهرية من سداة الزهرة (العضو المخصب الذكري) إلى الأعضاء التناسلية الأنثوية، أو الكرابل.
تحتوي الكربلة على الميسم، وهو عضو غالبا ما يكون لزجا، تلتصق عليه حبوب اللقاح التي تحتوي على الأمشاج (الجاميتات) الذكرية. وبمجرد أن تستقر حبوب اللقاح على الميسم، ينمو أنبوب من حبوب اللقاح إلى البويضة لتسهيل نقل الخلايا التناسلية الذكرية إلى البويضة.

وتتكون البذور بعد نقل اللقاح من الجزء المذكر إلى الجزء المؤنث للنبات، وتتكون البذور والثمار بعد عملية الإخصاب، وتتحول البويضة إلى بذرة عند إخصابها، ويتحول المبيض عادة إلى ثمرة.


رحلة رومانسية لتكاثر النبات

اعتمد الباحثون في دراستهم على نبتة "رشاد أذن الفأر"(Arabidopsis thaliana)، وهي نوع من النباتات الزهرية الصغيرة، التي يعدها العلماء فأر التجارب النباتي، وحددت هذه الدراسة عملية جزيئية غير معروفة سابقا تعمل وسيلة للتواصل في أثناء الإخصاب والتكاثر.
وقال لوان إن الباحثين سجلوا في السابق وجود موجات كالسيوم قبل عملية الإخصاب، وأشاروا إلى أنهم "كانوا يعرفون أن إشارة الكالسيوم مهمة، لكنهم لم يعرفوا بالضبط كيف يتم إنتاجها".
ولتحليل كيفية إنتاج موجة الكالسيوم بواسطة الخلية الأنثوية، قدم لوان وزملاؤه مستشعرا حيويا للإبلاغ عن مستويات الكالسيوم في الخلية المحددة، للبحث عن إشارات من الأجزاء الذكرية التي تطلق موجات الكالسيوم.

ووجدوا أن أنابيب حبوب اللقاح تنبعث منها عدة "ببتيدات صغيرة" (سلاسل قصيرة من الأحماض الأمينية) ويمكن لمستقبلات الببتيد على سطح الخلية الأنثوية التعرف عليها. وبمجرد تنشيط هذه المستقبلات، تقوم بتجنيد قناة الكالسيوم لإنتاج موجة من الكالسيوم توجه أنبوب حبوب اللقاح إلى البويضة وتبدأ في الإخصاب.



نبتة "رشاد أذن الفأر" يعدها العلماء فأر التجارب النباتي (ويكيميديا)

وأوضح لوان "يمكنك مقارنة ذلك بخدمة التوصيل. نحن نعلم أن جزيء الببتيد الصغير يعمل بصفته إشارة للجزء الأنثوي من الزهرة، تقريبا مثل طرق الباب لإعلامها بأن أنبوب حبوب اللقاح موجود هنا".
وتؤدي موجات الكالسيوم في النهاية إلى تمزق الأنبوب وإطلاق الأمشاج (الجاميتات) الذكرية بمجرد دخولها داخل البويضة، مما يضمن عملية إخصاب ناجحة.
قال لوان "بطريقة ما، ينتحرون بشكل أساسي لإطلاق الأمشاج الذكرية. أحيانا تموت الخلية التناسلية الأنثوية أيضا من أجل كشف البويضة حتى تتمكن من الالتقاء وإنتاج حياة جديدة. إنها نوع من الرحلة الرومانسية لتكاثر النبات".



إعادة اختراع الرسائل الجزيئية

تعتبر قنوات الكالسيوم المحددة في هذه الدراسة فريدة من نوعها في حالة النباتات، نظرا لشهرتها الكبيرة لعلاقتها بالأمراض في الإنسان، وقد طور الباحثون أدوية تسمى حاصرات قنوات الكالسيوم تعمل على خفض ضغط الدم وعلاج حالات أخرى، مثل ألم الصدر ونبض القلب غير المنتظم، حيث تعمل على منع دخول الكالسيوم إلى خلايا القلب والشرايين، لأنه يؤدي إلى انقباض القلب والشرايين بقوة أكبر، وبمنع الكالسيوم، تسمح حاصرات قنوات الكالسيوم بارتخاء الأوعية الدموية وتفتُّحها.

ولهذا فإن الكشف عن هذه الآلية في النبات أمر مثير للاهتمام، ويشير استخدام هذه الآلية إلى أن النباتات لديها طريقة لإنتاج إشارات مختلفة عن تلك الموجودة في الحيوانات والبشر، ويمكنها تأدية وظائف حيوية أخري.



تتكون البذور والثمار بعد التلقيح، وتتحول البويضة إلى بذرة والمبيض يتحول إلى ثمرة (دورية "إي لايف")

وقال لوان إن الباحثين درسوا قنوات الكالسيوم لأكثر من 30 عاما، وكشفوا عن كيفية إضفاء المقاومة على البياض الدقيقي (مرض فطري يؤثر على مجموعة متنوعة من النباتات) أو تمكين الاستشعار الميكانيكي في أنظمة الجذر، ولكن ظلت تأثيراتها البيوكيميائية غير معروفة حتى كشفت هذه الدراسة عن نشاط القناة المحدد.
وبالإضافة إلى التطبيق التجاري المحتمل، فإن نتائج هذه الدراسة تسلط الضوء على قدرة النباتات الإعجازية على التواصل عبر الانبعاثات الجزيئية.

ووفقا للوان، فإن فهم العمليات الجزيئية المعقدة للتخصيب قد يساعد في تحسين المحاصيل الاقتصادية من النباتات الزهرية. وقد يستخدم باحثون آخرون أو علماء وراثة النبات هذه النتائج لكسر الحاجز بين الأنواع، مما قد يفتح الباب أمام إنتاج أنواع جديدة من المحاصيل الهجينة عن طريق التلقيح المتبادل.