رصيف معرفي عند أزقة مدمرة في الموصل
استطاع شاب إيزيدي في العراق أن يحول مأساة النزوح وفجيعة اجتياح معقل الأهل والأجداد في قضاء سنجار، إلى قصة نجاح ملهمة، بعزيمة وإصرار.
بعد اجتياح تنظيم داعش الإرهابي لمدن سهل نينوى في صيف 2014، تمكن كاميران كمال، 26 عاما، من الهروب نحو "بيرسفا"، أحد مخيمات النزوح في إقليم كردستان، شمال العراق، حيث عانى من العزلة والفراغ، وهو ما دفعه إلى إنشاء مكتبة صغيرة، في محاولة لاستعادة حياته المسلوبة.
يقول كاميران إن "الحلم بدأ من تلك الخيمة في محافظة دهوك والتي تمثل الأساس لمكتبة عامة سميتها (أورشينا)، وهي تعني في اللغة السريالية "أرض السلام"، وضمت حينها نحو 450 كتابا، تم الحصول عليها من تبرعات الأصدقاء والمهتمين بالثقافة، وذلك بهدف التخفيف من وطأة النزوح وبعث الأمل عبر المعرفة والكلمة".
ويضيف أن "المشروع تطور لاحقاً بعد أن لاقت تلك الخطوة ترحيباً واهتماماً كبيراً، سواء داخل مخيمات النزوح أو في المدن المحيطة، فضلا عن الاهتمام الإعلامي والثقافي من قبل الكثير من المؤسسات التي سلطت الضوء على تلك التجربة".
ويبين كمال أنه بعد أن أنهى وعائلته النزوح عام 2019، وعادوا إلى مدينة سنجار المعقل الأكبر لأبناء الطائفة الإيزيدية، قرر نقل تلك التجربة إلى الحي الذي يسكن فيه، مع توسيع المكتبة العامة حتى أمست تضم أكثر من 10 آلاف كتاب من مشارب وتخصصات مختلفة.
ووسط ركام وأطلال الحرب والاجتياح، تأتي "أورشينا" كبارقة أمل في عودة الحياة إلى تلك المدن التي عانت أبشع أشكال التنكيل طيلة سيطرة التنظيم الإرهابي على مقاليدها، كما يقول الشاب الإيزيدي.
واستأجر كاميران محلا صغيرا في مدينته يعرض من خلاله الكتب التي بدأت التنوع والتكاثر شيئاً فشيئاً ليؤسس على غرارها مع جمع من الزملاء "الرصيف المعرفي" كأول تجربة في محافظة نينوى بعد استردادها من قبضة التنظيم الإرهابي.
لكن تلك التجربة باءت بالفشل، حيث أمرت السلطات البلدية في المدينة بغلق المحل بذريعة التجاوز على الرصيف العام بنشر الكتب على ناصيتها والاستغلال غير المرخص للطريق، مما اضطر كاميران لنقل المكتبة إلى داخل منزله.
ورغم ذلك فقد شكل منزل الشاب الإيزيدي قبلة للباحثين عن الكتاب والثقافة ومرتعاً لهواة القراءة، ويقول كاميران: "إنني جبلت على مواجهة التحديات فضلاً عن ذلك فإن أورشينا باتت ملكاً عاماً وبالتالي اتخاذ قرار بإنهاء حياتها ليس بمقدوري أو قراري".
ومن خلال الكتب والغوص في أعماق المؤلفات والبحوث، يحاول كاميران تعويض حرمانه من إكمال دراسته الجامعية بعد أن اضطرته الظروف لمغادرة مقاعد الدراسة في كلية العلوم من المرحلة الأولى، إثر اجتياح داعش لمدينته.
منذ عام يسعى كاميران من أجل تعميم تجربته على عدد من المدن في محافظة نينوى، حيث زار عددا من المناطق النائية، بهدف نشر الثقافة والوعي، مثل ناحية حمام العليل في الموصل وسنوني وخانصور.