ضاحية سيدي بوسعيد تحفة فنية بتونس
في رواق فني أسسه قبل 3 سنوات بين ثنايا الأزقة الضيقة المكسوة بالطلاء الأبيض والأزرق على تلة سيدي بوسعيد المطلة على البحر في تونس، كشف علي الشريف عن أول مؤلفاته بعنوان "سيدي بو سعيد جبل الأنوار".
يزدحم الرواق، المؤثث بلوحات فنية معروضة للبيع، بحركة الزائرين الذين دفعهم الفضول لاقتناء هذا الكتاب، الذي يعد بوابة عبور إلى سحر مكان سيدي بوسعيد وأنوار تراثه وأصالته وعبق منازله القديمة وفنونه.
جسر من الماضي
يعتبر المؤلف أن "سيدي بوسعيد" جسر ممتد بين الماضي والحاضر. لكن بالنسبة إليه لا يقتصر المكان على تاريخ الولي الصالح سيدي بوسعيد بل يمتد إلى عديد من الأولياء الصالحين المدفونين في المكان.
يقول للجزيرة نت إن الكثير من الناس اختزلوا معرفتهم بمنطقة سيدي بوسعيد بذكرى الولي الصالح الذي تبوأ مكانة مرموقة في التصوف. وعرف بو سعيد (1156-1230) كنموذج الرجل التقي الذي ذاع صيته بفضل تصوفه.
لكن الكاتب أراد أن يكشف الغطاء عن 15 وليا صالحا جميعهم دفنوا في منطقة سيدي بوسعيد على غرار السيدة شريفة، والسيدة زعفرانة، وسيدي الظريف، وسيدي فاوح المسك، وسيدي عزيزي، وسيدي شعبان…
يقول الشريف إن زمرة قليلة من الناس يعرفون أن هناك 15 وليا صالحا بمنطقة سيدي بوسعيد ما تزال أضرحتهم موجودة إلى اليوم، رغم أن الروايات تزعم أن المنطقة ضمت نحو 500 ولي صالح، بحسب ما ذكره.
الشريف خلال توقيع كتابه الجديد
وليس هذا فحسب، إذ يطلعنا الكاتب على بقع لم تُلق عليها الأضواء من قبل مثل أقدم المنازل العريقة التي بقيت شاهدة على العصر وسط البيوت المصطفة بعضها فوق بعض، والمزينة بالأبواب والشبابيك المنقوشة والزخارف البديعة.
وبحكم نشأته في سيدي بوسعيد المتميزة ببساطة هندستها المعمارية وشبابيكها الحديدية التقليدية ومنازلها ذات الباحات الواسعة، أدرج الشريف في كتابه محورا خاصا يتعلق بأقدم منازل عريقة بقيت شاهدة على عبق التاريخ.
منازل عتيقة
وفي كتابه يتحدث عن منازل عتيقة اندثرت مع مرور الزمن بمنطقة سيدي بوسعيد، مركزا في توثيقه على أقدم 8 منازل شهيرة ما تزال خالدة مثل "دار ثامر" و"دار الأصرم" وقصر "ناصر باي" و"دار زروق" و"النجمة الزهراء".
وتتميز تلك المنازل بتصاميمها الجذابة وزخارفها ذات الأصول الفنية والحضارية المختلفة كالإسلامية وخاصة الأندلسية والعثمانية، وغرفها وساحاتها الفسيحة وأعمدتها الرخامية، وقد تحول بعضها اليوم إلى متاحف على غرار "دار الأصرم".
وكتب الشريف مؤلفه بأسلوب سردي رشيق ثري بالأوصاف المعبرة ليوثق للحظات الفارقة لظاهرة التصوف المحفورة بالذاكرة الشعبية، ومنها "الخرجة" تيمنا بالناسك المتزهد سيدي أبو سعيد الباجي.
و"الخرجة" طقوس قديمة في تلك المنطقة يشارك فيها نهاية كل صيف المئات من التونسيين، وتتميز بأناشيد "العيساوية" التي نشأت منذ قرون على يد الناسك المغربي سيدي محمد بنعيسى، وانتشرت بشمال المغرب العربي.
حب المؤلِف لأصالة سيدي بوسعيد حيث ترعرع جعله مؤلفا من حيث لا يدري
كما عرج الكاتب في مؤلفه على أبرز الفنانين الذين عاشوا وتركوا بصمة خالدة بسيدي بوسعيد مثل "البارون ديرلنجي" الذي كان مفتونا بالموسيقى وباحثا في مقامتها وقضاياها، وكتب 6 مجلدات حول موسوعة الموسيقى العربية.
كما تطرق في كتابه "سيدي بو سعيد جبل الأنوار" إلى عديد الرسامين العالميين مثل الفرنسي ألبير ماركيه، وعديد الرسامين التونسيين الراحلين مثل جلال بن عبد الله وهادي التركي وإبراهيم الضحاك وعلي بالاغا.
لم يكن الشريف كاتبا بالفطرة لكن حبه لأصالة سيدي بوسعيد، حيث ترعرع، جعله مؤلفا من حيث لا يدري. وقد مهدت له نشأته في أحد أهم الأماكن الصوفية أن يكون واحدا من أبرز العارفين بأدق تفاصيل تاريخ تلك المنطقة الشهيرة.