تعتبر مدينة عكركوف من اجمل المدن الأثرية على مستوى العالم حيث تقع في الناحية الغربية لمدينة بغداد و تبعد عنها بحوالي خمسة و عشرين كيلو متراً و حدودها خارج مدينة بابل٠ يعود تاريخ تأسيس الزقورة الى ملك الكيشيين كوريغالزو الأول في أواخر القرن الخامس عشر و أوائل القرن الرابع عشر قبل الميلاد و تقع الزقورة على طول تلال كلسة بين الشرق و الغرب من نهر دجلة و الفرات و في القرن الماضي غمرت مياه الفيضان زقورة عكركوف و سبب الفيضان تحطم بعض الأجزاء من الزقورة٠ و لعل مياه الفيضان كانت تفيد المدينة سابقاً للدفاع و الحماية كما كانت تسقى من نهر عيسى المشهور الذي كان يسمى في العهود البابلية ب (قنال انليل) و كانت الزقورة عاصمة للبلاد في عهد كوريكالزو في العصور القديمة و بعد سقوط سلالة الكيشيين فقدت مكانتها و اُحتلت في القرن الثاني عشر قبل الميلاد و تُركت و تخلي عنها الى حد كبير٠ و استمر الاستيطان و السكن في مدينة عكركوف بعد سقوط الدولة الكيشية على يد العيلاميين حيث استوطنها الآراميون في عصر دولة بابل الحديثة و يُعتقد انهم هم من اطلقوا تسمية عقرقوف و اعادوا اعمار المدينة من جديد بعد تعرضها لهجمات الآشوريين المتكررة و استمر الاستيطان فيها حتى العصر العربي الإسلامي اذ استوطنها المسلمون من القرن الثامن عشر و لا زال الاستيطان موجوداً لحد الان حيث ان منطقة أبو غريب قريبة على موقع الزقورة و تقطن فيها الان عشائر عربية عراقية .
شكل تخيلي للزقورة قبل أن تتأثر بعوامل الزمن
في زمن الكيشيين كان يحيط الزقورة سور ضخم جداً يقدر بحوالي ٢٢٥ هكتار (٥٦٠ فداناً)، والجوانب خلف السور من الضاحية الشرقية للزقورة كان يتواجد فيها بحيرة من الماء و يتواجد العديد من التلال حول الزقورة و تعتبر زقورة عكركوف من المباني التراثية و التاريخية في المنطقة و الزقورة كانت مكرسة للآلهة الرئيسية و هم ((انيل)) و ((نينليل)) و ((نينورتا)) و لقد تأسست المعابد في الجنوب الشرقي من الزقورة و تبين من خلال التنقيبات التي اجراها الباحثون الاثريون في بداية عقد الاربعينات من القرن العشرين ان الملك كوريكالزو الثالث هو مؤسس هذه المعابد و التي تتكون من ساحات كبيرة يحيط بها عدد كبير من الحُجرات و الأروقة و الممرات، و اعتماداً على الأدلة الاثرية المكتشفة في هذا الموقع تبين ان هذه المعابد اُستعملت من قبل الأدوار التي خلفت (الدور الكيشي) و هو العهد الآشوري و العهد البابلي الحديث (١٠٠٠ - ٥٠٠ ق٠م) و لقد شيد الملوك الكيشيون قصور المدينة المكتشفة في تل ابيض شمال غرب الزقورة و تدل الكتابات المسمارية التي عثر عليها في قصور المدينة باسم قصور مدينة كوريكالزو، و تعرض معالم معمارية من مرافق قصور الملوك المهمة و هي ثلاثة اقبية متوازية الى جانبي كل منها عدد من المخازن المعقودة بهيئة جيوب نصف دائرية و قاعدة الزقورة مربعة الشكل تقريباً ابعادها (٦٩م × ٦٧م) و تتجه زواياها الى الجهات الأربع و تميل اوجهها الأربعة عن العمود الى الداخل بحوالي ٩ سم لكل متر من الارتفاع و أوجه القاعدة مغلفة من الخارج بغلاف من الآجر تزينه و تحليه هندسة معمارية على شكل نظام الطلعات و الدخلات في اوجهها الأربعة و توجد ثلاثة سلالم ، سلم وسطي و سلمان جانبيان يتصلان بها و تؤدي الى سطح القاعدة المربعة التي شيدتها المديرية العامة للآثار العراقية٠
زقورة عكركوف عام ١٩١٥
وتحتوي الزقورة على مجموعة طبقات وتبدو الطبقات من البوري (حصير القصب) موضوعة في البناء بين كل ٨ أو ٩ مسافات من اللِبن تتخللها ثقوب مربعة كبيرة تنفذ داخل الزقورة والهدف منها التخلص من الرطوبة والمياه التي تصيب الزقورة بين آونة وأخرى٠
وكانت الزقورة مركزاً تجارياً لعدة قرون حيث كانت تمر بها قوافل الإبل والتجارة على الطرق الحديثة ويعتبر موقع الزقورة أحد المواقع المفضلة للنزهة من قبل العوائل البغدادية خصوصاً في العطل ويوم الجمعة وقد بني مبنى متحف صغير بقربها عام ١٩٦٠ وأنشئ لتقديم الخدمات لزوار الموقع وهو الان مهمل٠
بسبب قرب موقع زقورة عكركوف من العاصمة بغداد فقد مكنها ذلك من ان تصبح من الأماكن الأكثر شهرة وزيارة٠
زقورة عقرقوف المرممة جزئيا ١٩٦٠
الوضع الحالي
تعاني زقورة عكركوف حالياً من الاضرار البيئية والزحف العمراني والتوسع العمراني وقد أدت عوامل طبيعية مثل الامطار والمياه الجوفية الى تآكل الزقورة وإلحاق الاضرار بها وخصوصاً على طول الجانب الجنوبي الغربي ونتيجة لهذا الضرر فأن الزقورة في خطر ومزيد من التدهور وكذلك الانهيار ما لم تتخذ إجراءات وتدابير وقائية٠ وتستمر الضواحي والمناطق الصناعية في بغداد على التطور والتوسع بالقرب من الموقع، وفي عام ١٩٨٠ جرت مناورات للجيش العراقي مما تسبب في تضرر الزقورة٠
تضررت الزقورة من الغزو الأمريكي للعراق وتعرضت للنهب والإهمال خلال انهيار الامن وسيادة الفوضى التي أعقبت الإطاحة بالنظام السابق وبقي القليل من مبنى حديث لإدارة المتحف والمطعم الذي خدم المتنزهين والطلاب الذين زاروا الموقع قبل الحرب ٠ في منتصف عام ٢٠٠٨ صاغ مسؤولون محليون خطط لإعادة بناء الموقع التاريخي وفي عام ٢٠١٣ قامت المديرية العامة للآثار العراقية بعملية صيانة زقورة عكركوف وكانت عملية التأهيل تأتي ضمن فعاليات مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية في عام ٢٠١٣
تسمى المنطقة المحيطة بالزقورة بهور عكركوف و ذلك لطبيعة الاراضي الزراعية المنخفضة عن مستوى نهر الفرات و المرتفعة عن مستوى نهر دجلة و تروى من جدول الغريباوي المتفرع من جدول الصقلاوية من نهر الفرات الذي ينساب من ناحية الصقلاوية قضاء الفلوجة في محافظة الانبار و يفصلها عن مدينة الشعلة ( ناحية ذات السلاسل ) مبزل الصقلاوية الذي يصب في نهر دجلة ٠ و من المناطق التي تحيط بالزقورة مضارب بني تميم ومشايخهم امراء آل سهيل والى الشرق منها منطقة جكوك وهي حي سكني في شمال بغداد رقم المحلة ٤٤٠ تابع لقضاء الكاظمية و يقع شرقي منطقة الشعلة و اصل ((جكوك)) هو اسم عشيرة عربية سكنت في تلك المنطقة و كان عملهم الإحتطاب٠ و عقب الاحتلال الأمريكي جاءت عوائل متنوعة كثيرة الى جكوك و استقرت عشوائياً قدر عددهم ب ٢٠ الف ساكن متعددي الأصول غير ان اكثرهم من جنوب العراق، و من معالم الجكوك شركة دجلة للأعمال الخرسانية التي تأسست عام١٩٥٢ ، و قد زارت الممثلة الامريكية انجلينا جولي مدينة جكوك في ٧ شباط ٢٠٠٨ لتفقد مخيمات النازحين بصفتها سفيرة النوايا الحسنة التابعة للأمم المتحدة و تبرعت بمبلغ مليون دولار لأطفال المخيمات في جكوك ٠ بالاتجاه شمالاً و بمحاذاة سكة حديد سامراء تقع منطقة الصابيات (الصابئات) و هي اراضي زراعية خصبة تعود ملكيتها لآل الدهوي و الجلبي و الازري و غيرهم و تبعد عن مركز الكاظمية بثلاث كيلومترات ٠ و بالاتجاه نحو الشمال الغربي تقع القطعة ١/ مقاطعة ١ العائدة للسادة مرتضى البصام و الدكتور صالح البصام و التي باتت تعرف اليوم بقرية البصام و هي من الاراضي الشديدة الخصوبة و التي كان يزرع فيها اضافة لمحصولي الحنطة و الشعير محصول التبغ الذي تحدد زراعته ادارة انحصار التبغ في المنطقة الشمالية فقط لكنه كان وفير الانتاج في اراضي البصام كذلك محصولي القطن و الكتان و تمت زراعة محصول الشلب بأنواعه العنبر و الاحمر و البسمتي و الإنعيمة و هذا المحصول محدد في المنطقة الجنوبية و الاهوار لحاجته للمياه الوفيرة و قد نجح نجاحاً منقطع النظير في اراضي البصام والتي فيها كذلك بستانان غناءتان مغروستان بأنواع النخيل النادرة و الفواكه و الحمضيات بأشكالها و أنواعها٠
من الناحية الغربية للزقورة يقع قضاء أبو غريب الواقع شرق الفلوجة والذي تقطنه عدة عشائر منها شمر والبو حمدان والبو عامر والبو عيسى وبني تميم وعشيرة زوبع٠
بصورة عامة فأن اراضي هور عكركوف تعتبر من اخصب الاراضي الزراعية في العراق و حالها حال الاراضي الزراعية المحصورة بين حوضي دجلة و الفرات التي قامت عليها اول الحضارات في العالم لكن يد التدمير الزراعي طالت هذا المضمار بدايةً بسن قانون الاصلاح الزراعي سيئ الصيت و القيام بالاستيلاء على الاراضي الزراعية و تفتيت الملكية الى ملكيات صغيرة و هجرة الفلاحين الى المدينة لتبور الاراضي و تسبخ لتأتي سورية و تختمها بأنشاء سد الطبقة على الفرات في سبعينيات القرن الماضي و لم تتمكن الحكومة آنئذٍ من احتواء هذه المشكلة الحيوية التي تمس قوت العراقيين ليتم قتل هذه الأراضي نهائياً و تجفيفها ليزحف البناء السكاني الى هذه الأراضي التي كانت في العهود الغابرة تساهم مساهمة فعالة في توفير السلة الغذائية للعراق و تصدير الفائض، و قرية البصام خير مثال مصغر على ما حل بالعراق من تدمير و افقار بصورة ممنهجة و مقصودة ٠
الصورة أعلاه مأخوذة سنة ١٩٥٩ من قبل وكالة شينخوا ألصينية للأنباء وبُثت على أنها تمثل تنازل ملاك
الأراضي عن ممتلكاتهم لصالح الدولة وبرضاهم ورغبةً في دعم الثورة وتنفيذاً لقانون الاصلاح الزراعي الذي جاء لرفع مستوى الفلاح وتحسين حالته المعيشية الى غير ذلك من الشعارات الزائفة والجوفاء للضحك على ذقون البسطاء من عامة الشعب الذين دفعوا ولا يزالوا يدفعون ثمناُ باهضاً لإنقيادهم وراء الدجل والأكاذيب٠
يظهر في الصورة السيد مرتضى البصام الثاني من اليمين (الملاك او الإقطاعي كما وصفته الوكالة) وبجانبه عراك الزكم (رئيس الجمعيات الفلاحية) والاول من اليسار الحاج راشد الشواف (حاكم الاصلاح الزراعي) ويظهر من الخلف العريف وجر مأمور مركز شرطة البصام الذي كان فضوله يدفعه للتدخل في كافة الامور عن طيبة قلب وسذاجة بحجة المحافظة على الامن على حد زعمه ، وبقية الأشخاص هم المهندس والمساحون٠
لا بد ان يأتي اليوم الذي يسترجع فيه العراق عافيته وترفع عنه الغمة التي حلت عليه في غفلة من الزمن ليرجع شامخاً ابياً مثله مثل زقورة عكركوف التي صمدت آلاف السنين متحدية كل ما مر عليها من مصائب واهوال لتبقى شامخة ومتحدية الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية وان غداً لناظره قريب٠
علي غالب مرتضى البصام