نظرا لأن الجينات القافزة مشتركة بين البشر والأخطبوطات، فقد تكون مرشحة لأبحاث مستقبلية حول الذكاء وكيفية تطوره وتنوعه بين الأفراد داخل النوع الواحد
فك التسلسل الجيني لنوعين من الأخطبوط كشف أنهما يملكان جينومات مليئة بـ"الجينات القافزة" (شترستوك)
حيّر الأخطبوط العلماء، ووصفه بعضهم بأنه كائن فضائي، لأنه لا يشبه أي حيوان على كوكبنا هذا، خاصة عندما ينظر المرء إلى أذرعه الثمانية وحجم دماغه الكبير وذكائه، وقدرته المذهلة على حل المشاكل، والتي تميزه عن بقية الحيوانات اللافقارية.
وعلى مدار عقود، درس الباحثون كيفية تطور بعض الحيوانات لتصبح ذكية، وعندما يتعلق الأمر برأسيات القدم، وهي مجموعة تضم الأخطبوط والحبار، فعلى الرغم من امتلاكها سمات الإبداع، فإنها تفتقر لبعض علامات الذكاء المميزة التي تظهر عند أنواع الحيوانات الأخرى.
ووفقا لدراسة حديثة نُشرت في دورية "بي إم سي بيولوجي" (BMC Biology)، كشف فك التسلسل الجيني لنوعين من الأخطبوط أنهما يملكان جينومات مليئة بمجموعة من "الجينات القافزة"، والتي تشكل حوالي 45% من الجينوم البشري، ويعزى إليها ذكاء الأخطبوط.
"الجينات القافزة" تشكل حوالي 45% من الجينوم البشري، ويعزى إليها ذكاء الأخطبوط (شترستوك)
الجينات القافزة
قرائن الذكاء التي اكتشفها العلماء والتي تسمى "الجينات القافزة" أو "الترانسبوزونات" (Transposons)، هي تسلسلات قصيرة من الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (دي إن إيه) لها القدرة على نسخ ولصق أو قص ولصق نفسها في مواقع مختلفة داخل الجينوم (كامل المحتوي الجيني للكائن الحي)، وقد تم ربطها بتطور الجينوم في أنواع متعددة من الكائنات الحية.
وعادةً ما تحمل "الجينات القافزة" في البكتيريا جينا إضافيا للقيام بوظائف غير النقل، وغالبا ما تكون لمقاومة المضادات الحيوية، ويمكن لهذه الجينات الانتقال والانغراز في الكروموسومات (الصبغيات)، ويمكن أن تحدث طفرة أو تغير جزءا من الحمض النووي في الجينوم خلال الانتقال.
وتعتبر "الجينات القافزة" مثالا للعناصر الوراثية المتحركة التي اكتشفتها بربرا مكلنتوك في بداية مسيرتها العلمية، والتي نالت بفضلها جائزة نوبل لعام 1983.
معظم "الجينات القافزة" في كل من البشر والأخطبوطات ساكتة (شترستوك)
العنصر النشط
وقد أفاد مؤلفو الدراسة بأن معظم "الجينات القافزة" في كل من البشر والأخطبوطات (الأخاطب) ساكتة، إما أن تغلق بسبب الطفرات أو تُمنع من التكاثر بواسطة الدفاعات الخلوية.
لكن نوعا واحدا من "الجينات القافزة" في البشر، والمعروف باسم العنصر النووي طويل الانتشار (Long interspersed nuclear element) يعرف اختصارا باسم "لاين" (LINE)، وهي فصائل (عائلات) ذات عناصر (دي إن إيه) مشتركة، وتنتشر في مواقع عديدة داخل الجينوم. ويحتوي الجينوم البشري على مايزيد على 500 ألف من هذا العنصر.
العناصر النووية طويلة الانتشار لا تزال نشطة، وتشير الدلائل من دراسات سابقة إلى أن جينات "لاين" القافزة يتم تنظيمها بإحكام من قبل الدماغ، وهي مهمة للتعلم ولتكوين الذاكرة في الحُصين.
قال جرازيانو فيوريتو، عالم أحياء في محطة أنطون دورن لعلم الحيوان (SZAD) في نابولي، إيطاليا، ومؤلف مشارك في الدراسة لموقع "لايف ساينس" (Live Science) إنه عندما ألقى العلماء نظرة فاحصة على "الجينات القافزة" في الأخطبوط التي يمكنها النسخ واللصق بحرية حول الجينوم، اكتشفوا أن "الجينات القافزة" من عائلة "لاين" كانت العنصر النشط في الفص الرأسي للأخطبوط، وهو قسم دماغي في الأخطبوط مهم للتعلم ومماثل وظيفيا للحصين البشري.
الباحثون قاسوا نسخ الحمض النووي الريبي (آر إن إيه) للأخطبوط وقاموا بترجمته إلى بروتين (شترستوك)
تشابه على المستوى الجيني
وفي الدراسة الجديدة، قاس الباحثون نسخ الحمض النووي الريبي (آر إن إيه) للأخطبوط وقاموا بترجمته إلى بروتين، واكتشفوا نشاطا مهما في مناطق الدماغ المتعلقة باللدونة السلوكية، وكيف تغير الكائنات سلوكها استجابة لمحفزات مختلفة. وقالت المؤلفة المشاركة في الدراسة جيوفانا بونتي، وهي باحثة في قسم الأحياء وتطور الكائنات البحرية في محطة أنطون دورن لعلم الحيوان "كنا سعداء للغاية لأن هذا نوع من الإثبات".
وأضاف فيوريتو أنه على الرغم من أن الأخطبوطات لا ترتبط ارتباطا وثيقا بالحيوانات ذات العمود الفقري، فإنها تظهر مع ذلك مرونة سلوكية وعصبية مشابهة لتلك التي لدى الفقاريات. وقال إن "هذه الحيوانات، مثل الثدييات، لديها القدرة على التكيف باستمرار وحل المشكلات"، وهذا الدليل يشير إلى أن التشابه قد ينشأ على المستوى الجيني.
لا تربط هذه النتائج جينات القفز بذكاء الأخطبوط فحسب، بل تشير أيضا إلى أن "الجينات القافزة" من عائلة "لاين" تقوم بأكثر من مجرد القفز، ومن الممكن أن يكون لديها دور في المعالجة المعرفية، كما شرح المؤلفون في بيان صحفي نشر في 22 يونيو/حزيران الماضي.
ووفقا للدراسة، ونظرا لأن جينات القفز مشتركة بين البشر والأخطبوطات، فقد تكون مرشحة لأبحاث مستقبلية حول الذكاء وكيفية تطوره وتنوعه بين الأفراد داخل النوع الواحد.